: آخر تحديث

المنهجية والنزعة فى كتابات "البابا تاوضروس"

18
17
13
مواضيع ذات صلة

ولأن الاعتقاد السائد عن بطريرك أكبر وأقدم كنيسة بالشرق، كونه القامة والقيمة الروحية والرعوية وقط، يستوقفنا "قداسة البابا تاوضروس الثانى""بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية" بفكر خصب متجدد، وقلم ماهر متزن بل بالأكثر قلم وطني، والأهم عقلية قادرة على إدارة الأمور وتناولها ومن كافة الزوايا، وهو المهتم بالكنيسة والمهموم بالوطن، وقد قضى قداسته عشرة أعوام من الكتابة الدورية والمنتظمة، خاضها ما بين الصحف، المجلات، الكتب وأيضا الإصدارات، ذلك منذ اعتلاء الكرسي المرقسي، حيث تمتلئ مكتبة البابا بالعديد من الكتب، ومعظمها يحوي كتابات قداسته والتي غلبت عليها النزعة الروحية مقترنة بالنزعة الوطنية، وعن الاتجاه التوعوي فشكل أساسا لقناعات البابا وأفكاره، والتي جسدتها هذه الكتابات.

وتحت عنوان "المقالات الافتتاحية لقداسة البابا تاوضروس"، والتى دونت فى كتابين منفصلين، تمكن قداسته من صياغة بانوراما إبداعية متكاملة، وعبر أساليب خفيفة شيقة، كفيلة بالوصول إلى البسطاء والعوام وقبيل النخب من المفكرين والمثقفين، فمن الروحيات والتى شغلت معظم اهتماماته، انتقل إلى الجانبين الإصلاحي والخدمي، وعن الشق الوطنى فأبدع قداسته فى تناوله وإبرازه، سيما فيما تعلق فى العلاقة الوطيدة بين الكنيسة والدولة، ولا عجب وهو البابا والذى أجاد الإمساك بالخيط الرفيع بين السياسة والوطنية، ومن رعاية الفرد اتجه قداسته إلى إرشاد الأسرة، وهي التى أسماها البابا بالأيقونة، لم يترك البابا جانبا إلا وتناوله متطرقا إليه، وفي إيجاز نستعرض بعضا من لمحات الكتابين أو الجزئين...

في منهجية البابا، فإن الحياة الروحية تمثل البنية التحتية للفرد والأسرة، ومن ثم ضمان سلام المجتمع واستقرار، بالتالي سلط قداسته الضوء على الجانب الروحي فى المقالات الأولى والتى جاءت بالكتاب الأول _أو الجزء الأول من كتاب مقالات البابا الافتتاحية_، حيث تأمل قداسته فى الكثير من الأحداث الروحية، وأبرزها معجزة الميلاد وقال عنها "أعياد الميلاد لم تكن مناسبات تاريخية أو كنسية، بقدر ما اعتبرت أحداثا متجاوزة الزمن"، يستمر البابا فى التناول الروحي مؤكدا حفظ الله ومعيته للإنسان.

تواصل تصفح الكتاب الأول، لتستوقفك إجابة قداسته الحاسمة على السؤال البشري التقليدى: لماذا يسمح الله بالتجارب؟، حيث يجاوب البابا مشيرا إلى محبة الله، مبرزا قيمة الآلم والتجربة فى حياة البشر وتنقيتهم.
ولأنه أول بابا _تقريبا_ فى التاريخ الحديث يتمكن من دمج الكنيسة بين المؤسسات الوطنية وبهذه الصورة، فى طفرة لم نعهدها من قبل، فقد شهد عهده حضور رئيس الجمهورية "الرئيس عبد الفتاح السيسي" إلى الكاتدرائية وتحديدا ليلة عيد الميلاد، فى مشاركة واضحة وقوية للمصريين الأقباط وأعيادهم، ويكتب قداسة البابا في مقال مهم قائلا عن حضور الرئيس السيسي "هذه هى المرة الأولى فى تاريخ مصر الحديث والمعاصر، وربما القديم أيضا أن يشارك فيها المسئول الأول في مصر لتهئنة المصريين الأقباط فى كنيستهم ليلة عيدهم، ورغم أن التهئنة استغرقت وقتا قصيرا بحساب الزمن، إلا أنها بحساب التاريخ يمتد أثرها إلى العالم كله، بل تعتبر علامة مضيئة أرساها السيد الرئيس بأدائه الرفيع ومحبته الفياضة". 

ومن منطلق إدراك قداسته التام بأهمية الجانب الإصلاحي، ينطلق البابا موضحا أهمية التعليم وهو النافع فى كل زمان ومكان، يركز أيضا على المبادئ وأبرزها فى وجهة نظر قداسته "الأمانة _ النظام _ الحماس".
وفق عظة منفصلة يتحدث قداسته مبرزا أهمية التاريخ، منوها إلى المقولة الشهيرة "التاريخ هو الحياة"، وكعادته يظل البابا وفياً، وهو ما تجلى واضحا فى تعمده ذكر مثلت الطوبى والرحمات "قداسة البابا شنودة الثالث" ويقول عنه "مدرسة رعوية نادرة، تأسست في تاريخنا المعاصر، وصارت فى موقع الصدارة، وعلى رأس كنيستنا القبطية الأرثوذكسية".

وفي مقال مهم يتحدث قداسته عن عظمة وروعة الإيمان، ويسلط الضوء على ثلاثية الإيمان "الدموع_العرق_ الدم"، فالدموع فى الصلاة، والعرق هو جهاد، أما الدم قد يتدفق دفاعا عن الإيمان"، ثلاثية اخرى أيضا استحوذت على اهتمامات البابا" الفرح، الصبر، والصلاة" وجميعها تأتي فى إطار التعاليم الروحية، وهو الشق والذى شغل الجانب الأكبر من كتابات البابا. 

يعلمك كيف تتخذ القرار، ويحذرك من القرار البعيد عن الاستشارة، أو حتى تقدير العواقب، يتحدث أيضا عن السلام النفسي، فيؤكد أهميته بقوله "قمة النجاح للإنسان أن يشعر بداخله بمشاعر الهدوء".

وفي روعة للصياغات، استطاع قداسته تلخيص كل ما يدور فى أذهاننا تجاه المعاصرة والمواكبة، فيشير في تأكيد على أهمية انتهاج البساطة بقوله عنها "تصنع مخرجا لما تصادفه من العالم"، وفي اتجاه آخر يحذر قداسته مما أسماه بالمرض الاجتماعي جراء هذه المعاصرة والانتشار السريع لوسائل التواصل الاجتماعي، وهنا يقصد قداسته الشائعات وتداول الأخبار الزائفة.

ولأن قداسته قارئ ومطلع بالأساس، يتحرك بين الجوانب الحياتية المختلفة، ويحدثنا من خلال كتاباته ومقالاته، متناولا المفاهيم المحتلفة والمبادئ والأهم القيم وما تحمله إيجابيات وجب التحلي بها، ومن الفرد وتكوينه ينتقل قداسته إلى التركيز على دور الأسرة، وهي التى أسماها الأيقونة من منطلق إيمان قداسته بعمق دورها وآثاره المجتمعية، ويقدم نصائح العديدة للأسرة، وتحديدا فيما يخص التربية الإيجابية، وآليات التعامل مع الأبناء.

اخيرا وليس آخرا، لم تتحرك الكنيسة فقط بين جنبات الوطن، بل امتدت بعلاقاتها ومحبتها إلى المستويين الإقليمي والدولي، سواء فى الغرب أو الشرق، ممثلة جانب مهم من جوانب المظهر المصري، ومشاركة فى الدبلوماسية المصرية المتزنة والمتعارف عليها، وهو ما برز جيدا فى زيارات البابا وأنشطته فى بلاد المهجر، مدعما التعاون ومشاركا فى قوة مصر الناعمة، ودُون ضمن أبرز مقالات الكتاب الثاني، والذى يحوي الجزء الثاني من المقالات الافتتاحية لقداسة البابا تواضروس.

 
[email protected]
 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.