تعصف بنظام الجمهورية الإسلامية تناقضات يبدو لا حل لها في الفترة الأخيرة من حياته. ومن أبرز تلك الحالات دورية الإرشاد والتعامل معها.
في الأسبوع الماضي، قال محمد جعفر منتظري، المدعي العام في النظام، في مؤتمر صحفي في 3 كانون الأول، ردا على سؤال حول ما إذا كانت دورية الإرشاد - شرطة الأخلاق، التي توفيت في سجنها مهسا أميني في 16 سبتمبر، وكانت نقطة انطلاق الانتفاضة الإيرانية- قد تم تعليقها: "هذه الدورية ليس لها علاقة بالقضاء، ولكن تم إغلاقها من قبل نفس الهيئة التي أنشأتها".
وهذا تأكيد لما شوهد في الشوارع في الأيام الأخيرة: غياب دورية الإرشاد، وهو ما ورد حتى في الصحف التي يسيطر عليها النظام.
ومنها صحيفة "شرق" التي كتبت في 5 كانون الأول "لم يعد هناك أخبار عن سيارات دورية إرشاد، ويبدو أن هذا دليل على إغماء دورية إرشاد".
وعزت بعض وسائل الإعلام الدولية ذلك إلى تراجع النظام عن مراقبة موضوع الحجاب الإجباري للمرأة. ومع ذلك، يمكن الشعور بجو من الشك الريبة في ما يتعلق بهذا الأمر حتى داخل إيران.
عضو مجلس شورى الملالي علي رضا بيجي يقول اني قرأت كلام النائب العام لكنني لم أر أي موقف رسمي من الحكومة أو مجلس الشورى. وذهب المتحدث باسم القضاء إلى أبعد من ذلك، وقال إن موضوع الحجاب ودورية الإرشاد فوق السلطة القضائية.
ومعنى هذا الكلان أنها لا علاقة لها بأي من السلطات الثلاثة التنفيذية والتشريعية والقضائية، وهي مرتبطة بالولي الفقيه.
من جهة اخرى اعترف الملا حسين جلالي عضو اللجنة الثقافية في مجلس شورى الملالي بأن دوريات الإرشاد مغلقة حالياً. لكن من المفترض أن تتحكم آليات التحكم الجديدة في ملابس النساء بطريقة "أكثر فعالية" من ذي قبل.
وأكد علي خان محمدي المتحدث باسم هيئة "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" في النظام ، أن مهمة دورية الإرشاد انتهت ويجب تحديث الأساليب واتخاذ قرارات جديدة.
يبدو أن ارتباك مسؤولي النظام في هذا الأمر لا نهاية له.
وكان منتظري، المدعي العام في النظام، أعلن قبل يومين من إعلانه أن دورية إرشاد لا علاقة لها بالقضاء، أن مجلس شورى الملالي والمجلس الأعلى لـ«الثورة الثقافیة» يعملان على قضية الحجاب، وأنه سيتم الإعلان عن النتيجة في غضون 15 يومًا.
في غضون ذلك، صرح علي خامنئي، زعیم النظام، أن لا مكان للتراجع فيما يتعلق بموضوع الحجاب.
هناك شيء واحد واضح من كل هذه النزاعات: لا يمكن للنظام أن يتجاهل موضوع الحجاب، ومن ناحية أخرى، لا يملك النظام القوة اللازمة لمواصلة دورية الإرشاد كما كان من قبل.
هذه صورة جزئية لموضوع أكبر، أي حكومة نظام الملالي برمتها. عدم القدرة والارتباك ليس فقط في التعامل مع دورية الإرشاد، بل في التعامل ككل مع انتفاضة الشعب التي استمرت قرابة ثلاثة أشهر حتى الآن.
مثلما لا يستطيع النظام التخلي عن قضية الحجاب، ومن ناحية أخرى، لا يملك القوة لتطبيقه، لا يمكنه التراجع عن القمع في التعامل مع انتفاضة الشعب في 280 مدينة إيرانية. ومن ناحية أخرى، ليس لديها القدرة على قمع الأحداث الدموية كما حصل في انتفاضة نوفمبر 2019. التزم خامنئي الصمت في التعامل مع الانتفاضة الأولى، ثم قال إنها انتهت، ومن ثم تراجع وقال إننا سننهيها.
وكان حسين سلامي قائد حرس الملالي قد هدد الشعب والشباب عدة مرات بعدم النزول إلى الشوارع دون جدوى، كما أعلن وزير الداخلية أحمد وحيدي كذبا عدة مرات انتهاء الانتفاضة.
ومع ذلك، في الخامس والسادس والسابع من كانون الأول (ديسمبر)، والتي تم الإعلان عنها على أنها ثلاثة أيام من حملة الانتفاضة المستمرة بمناسبة يوم الطالب، رأينا إعادة إحياء الانتفاضة، خاصة في الجامعات.
كان على النظام أن يرد في 8 ديسمبر بإعدام متسرع لمحسن شكاري. لكن بالنظر إلى الإدانة الشديدة لهذا الإعدام، خاصة في جميع أنحاء العالم ومن قبل وزراء الخارجية الأوروبيين ومختلف منظمات حقوق الإنسان، يبدو أن ثمن هذه الإجراءات القمعية بالنسبة للملالي يتزايد يومًا بعد يوم.
هذه هي نفس مفارقة دورية الإرشاد، التي لا يمكن إغلاقها أو فرضها بالقوة. ومع كل عملية إعدام ترافقها إدانة عالمية يدفع نظام الملالي ثمنًا باهظاً. وكما أن تقاعس نظام الملالي بلا حراك سيتسبب في مزید من إشعال لهيب الانتفاضة وانتشارها کمّا ونوعا.