: آخر تحديث

ملالي إيران ومعركة "الصورة" في "كأس العالم"

30
29
24
مواضيع ذات صلة

لو أنفقت الدول المعادية للنظام الإيراني عشرات الملايين من الدولارات على حملات علاقات عامة للتعريف بممارسات النظام الإيراني والقمع الذي يتعرض له المتظاهرين بالداخل، ما نجحت مثل هذه الحملات في نشر حقيقة ما يحدث داخل إيران مثلما فعلت بطولة "كأس العالم" الحالية المقامة في قطر، حيث إنتشر ما فعله لاعبو المنتخب الإيراني في المباراة الأولى والمؤتمر الصحفي قبلها، إنتشاراً إعلامياً واسعاً على المستوى الدولي. والنتيجة أن النظام الإيراني خسر خسارة معنوية فادحة في معركة "الصورة" ولم يعد هناك بالإمكان ترديد إتهامات ومزاعم عن مؤامراة خارجية ومخططات غربية لإسقاط النظام وغير ذلك، لأن الجميع رأي وتابع الغضب ينطق على لسان لاعبي كرة قدم يلعبون في خارج البلاد، وجماهير إيرانية تعيش بالخارج وليس هناك بالطبع من يمولهم أو يحركهم لأنهم ببساطة لا يمتلكون فرصة للتأثير في أحداث الداخل سوى التعبير عن الغضب في المدرجات أو عبر ارتداء القمصان ورفع الشعارات الغاضبة خلال المباريات.

لم يكن هذا السيناريو غير المخطط له ضمن حسابات النظام الإيراني بكل تأكيد، وإلا لكان قد بادر بمنع منتخب كرة القدم من الذهاب إلى البطولة من الأساس متذرعاً بأي سبب، ولكن ماحدث هو خارج التوقعات تماماً على الأقل بالنسبة لطهران، التي تدرك أن البطولة مقامة في ملاعب دولة قطر المجاورة، وأن من الصعب صدور أي تجاوزات ضد النظام وأن الدوحة لن تسمح بذلك، وهذا حدث بالفعل ولكن هناك أمور تبدو خارج سيطرة الدولة المضيفة مثل تصريحات قائد الفريق في المؤتمر الصحفي.
إحدى سمات كرة القدم بشكل خاص والرياضة بشكل عام، أنها سحر الشعوب بكل أطيافها وطبقاتها الإجتماعية والمهنية، وبالتالي فإن أي حدث يرتبط بكرة القدم أو يحدث على هامش المباريات يضمن انتشاراً جماهيرياً هائلاً، وهذا ما حدث بالضبط في المباراة الأولى للمنتخب الإيراني والتصريحات التي سبقت المباراة خلال المؤتمر الصحفي الذي يعقد قبل المباريات.
ماحدث أن لاعبي منتخب إيران إمتنعوا عن ترديد أو أداء النشيد الوطني لبلادهم قبل مباراتهم مع انجلترا في بطولة كأس العالم، وهذا يعني ببساطة الرغبة في إيصال رسالة غضب وتضامن مع القمع الذي يتعرض له المتظاهرين في المدن والشوارع الإيرانية.
تحولت مدرجات مباريات إيران إلى ساحات بعضها للتظاهر ضد النظام وبعضها مع النظام، وارتفعت لافتات الحرية والحياة للشعب الإيراني في ملاعب المباريات، ورصدت بعض التقارير الإخبارية تجاذبات حادة بين الجماهير المؤيدة والمعارضة للنظام الإيراني.
المؤكد أن مثل هذه الأحداث والممارسات "السياسية" تمثل "أزمة" للدولة المضيفة، وتضعها في حرج بالغ سواء على صعيد التعامل مع محتجي المدرجات، أو حتى فيما يتعلق بكيفية السيطرة على هذه السلوكيات، لاسيما أن النظام الإيراني ـ كما يعرف الجميع ـ ليس نظاماً عقلانياً يمكن أن يتفهم حساسية وضع الدولة المضيفة، بل هو نظام يتملكه الكبرياء والعناد في ظروفه الطبيعية، فكيف ونحن نتحدث عن ظروف غير طبيعية بالمرة، حيث يبدو النظام في وضع صعب ومعقد للغاية داخلياً.
قبل المباراة التي جمعت منتخبي إيران وانجلترا، أصبح قائد الفريق الإيراني غحسان حاج صافي، الذي يلعب لأحد الفرق اليونانية، أول لاعب في المنتخب الإيراني يتحدث علناً في بطولة كأس العالم عن الأوضاع الداخلية في بلاده، حيث قال بحذر نسبي خلال المؤتمر الصحفي الذي سبق المباراة: "نحن معهم وندعمهم، ونتعاطف معهم" في إشارة إلى المحتجين داخل مدن إيران وشوارعها،  كما قال مدرب المنتخب الإيراني، البرتغالي كارلوس كيروش، إن "لاعبيه أحرار في الإحتجاج"، وقطع التلفزيون الإيراني البث المباشر للمباراة حين اصطف اللاعبون قبل عزف النشيد الوطني وامتنعوا عن أداء النشيد.
هذه "الصورة" التي تبث عبر شاشات دول العالم أجمع قد نقلت الإحتجاجات والتظاهرات الإيرانية المستمرة منذ شهرين، وربما لم يكن الكثيرين يعرفون عنها شيئاً، نقلتها إلى كل جوانب الأرض، بما يسهم في مفاقمة الوضع الداخلي الإيراني الذي هو بالفعل يمثل أحد أخطر التحديات التي تواجه النظام الثوري، الذي لم يهدأ، منذ عام 1979.
مشاهد الإحتجاج الإيراني في ملاعب كرة القدم ببطولة كأس العالم، لم تمر مرور الكرام، سواء لأنها تثير غضب النظام الحكام، وربما تدفعه للمزيد من القمع لمحاولة السيطرة على الإحتجاجات المستمرة منذ شهرين، ناهيك عن التساؤلات التي تحيط بمصير أعضاء الفريق الإيراني ذاته سواء العائدين إلى طهران أو من يلعبون بالخارج، بالنظر إلى ما يعرفه الجميع عن الاستهدافات التي يخطط لها قادة الحرس الثوري الإيراني لمعارضي النظام بالخارج، وربما يكون بعض اللاعبين هدف لذلك لاسيما في ظل إدراك الملالي لمدى تأثير هؤلاء اللاعبين في تأجيج الغضب الداخلي وتشجيع المحتجين على مواصلة الاحتجاجات.
بلاشك أن النظام الإيراني هو من بادر بزج بالرياضة في السياسة وليس اللاعبين ولا الجمهور، حيث تقول التقارير الإعلامية أن هناك لاعبين من أصول كردية تم اعتقالهم، بسبب انتقادهم للنظام واتهامهم بنشر دعاية مضادة، وما تصفه تقارير الأمم المتحدة بـ"أزمة كبرى" تواجه النظام الإيراني بعد مقتل أكثر من 300 شخص واعتقال أكثر من 14 ألفاً خلال الأشهر القلائل الماضية، بحسب التقارير الأممية، قابل للتصاعد والتصعيد.
المعضلة أن قادة النظام الإيراني يصرون على أن هناك "مؤامرة غربية" تستهدف بلادهم وتدفعها إلى حرب أهلية، ولو افترضنا جدلاً أن هذا السيناريو واقع حقيقي، فإن السؤال البديهي الذي يطرح نفسه هو: من يصب الزيت على نار الإحتجاجات؟ ومن يسهم في تفاقم نيران الغضب بالداخل؟ أليست ممارسات النظام وقمعه هو الذي يهيىء المناخ الملائم لأي سيناريو يستهدف الداخل الإيراني!
بلاشك أن سيطرة النظام الإيراني على الأوضاع وإخماد الاحتجاجات التي تعم حوالي 155 مدينة إيرانية ـ لو حدث ـ فهو ليس إنتصاراً حقيقياً، فالوضع الداخلي المحتقن للغاية في إيران سيبقى كامناً وينتظر لحظة انفجار أخرى، ما يتطلب مراجعة كاملة للسياسات الداخلية والخارجية، وتوجيه موارد البلاد نحو اهدافها الفعلية وليس إنفاقها على تمويل الميلشيات وافتعال الأزمات ونشر الفوضى والاضطرابات إقليمياً ودولياً.
 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في فضاء الرأي