: آخر تحديث

هل من مبرر للقتل؟

35
34
32

هل يقتل الإنسان عند الحاجة؟ أي عندما تتكالب عليه كل ضغوطات الحياة وتحدياتها ومصاعبها، وبشكل أوضح؛ هل يقتل الإنسان من أجل المال الذي ينقذه وأهله من خطر الفقر والمرض والموت؟ 

شاهدت فيلما تدور أحداثه حول شخص فُصل من عمله لأسباب غير عادلة، وهو أب وزوج. أي أنه مسؤول عن بيت وعائلة وكان مفلسا لا يملك شيئا حين تم تسريحه. عجز حتى عن سداد فواتير منزله وعن شراء حاجيات ابنه وابنته الأساسية، المهم أنه كان في وضع لا يُحسد عليه. أتاه أحد أصدقائه الذين يثق بهم وعرض عليه فرصة العمر؛ وليحظى بملايين الأموال ورغد العيش، غير أن ذلك لن يتحقق إلا بالانضمام لجماعة مسلحة وغامضة لها أهداف غير مشروعة ودموية. كان لها هدف لازم تصفيته وقد قام بطل هذا الفيلم بتلك المهمة وقتل ذلك الإنسان البريء دون أن يعرف لماذا ولا لصالح من يعمل ولا حتى هوية الضحية. قتله بغية المال ولم يسأل عن أي شيء آخر. وكان المبرر جاهزا؛ لديه بيت وأسره، من يُطعمهم ومن يُعيلهم؟! 

دفعتني قصة هذا الفيلم لطرح السؤال أعلاه على نفسي وعلى غيري.. فهل إذا ما تكالبت علي ظروف الدنيا ولعناتها ومصائبها، أخطو نحو خطوة القتل والظلم كمنفذ أخير من جحيم الفقر والموت؟ 

أُجيب على هذا السؤال من واقع حال وتجربة .. تعرّضت في فترة من حياتي لقصة مشابهة؛ طُردت من عملي ظلما، وقُطع مصدر دخلي الوحيد وأنا متزوج وعلي مسؤوليات كثيرة، وغير فواتير المنزل والماء والكهرباء والإيجار، كانت علي قروض كثيرة وكبيرة أخذتها لأكمل تجهيز بيتي ومستلزمات ما قبل الزواج. اعترضت على قرار الفصل فلم ألقَ آذان تسمعني ولا أحد يفهمني. أفلست تماما، مواعيد الإيجارات والقروض والفواتير تقترب مني، ترعبني ولا تجعلني أهنأ بساعة في نومي. واجهت مع زوجتي ذلك الواقع المؤلم، تحملنا الكثير وقاسينا الكثير، وعادانا ووقف في وجهنا الكثير، لم نتوقف يوما عن الأمل والعمل إلى أن جاء الفرج وهجرنا تلك البلد وتخلصنا ممن حاولوا تدمير حياتنا ومستقبلنا.

كانت هناك مخارج كثيرة وحلول عديدة، وكان سهلا علي اختيار أحدها لأكون بعد ذلك من أصحاب الملايين وأتخلص من كل ما علي من هموم وغموم وديون. كانت كلها حلول غير شرعية وغير إنسانية، لم أفكر حتى بخوض أحدها رغم سهولة وبساطة ذلك.. قلت لنفسي أن أموت مظلوما على أن أموت ظالما؛ كانت تلك هي فلسفتي وقناعتي التي بها نجوت وبها أعاننا الله من حياةٍ كانت أصعب وأعقد مما كنت أتصور يوما. 

إذن، رغم كل ما مررت به من ظلم وحيف وقهر لم أنزلق ولم أنحدر لمهالك القتل والظلم، ورغم صعوبة الحياة وسهولة الظلم، اخترت صعوبة الحياة على سهولة الظلم والقهر .. ليس هنالك مبرر في هذا الوجود يبرر القتل والظلم بكل أشكاله، إياك يا من تتحجج بمصاعب الحياة أن تأخذ نفسك لمهالك الظلم والاعتداء على الغير، إياك ثم إياك.

أدرك صعوبة هذه الحياة وظلمها ووحشيتها، ولكني أدرك أيضا أن لا طريقة لمواجهة تلك الحياة إلا بالعدل والعقل والفهم، فلا نتذرع بوحشية الحياة لنكون وحوشا على غيرنا، ولا نقتل غيرنا لنعيش على جثثهم وأحلامهم، ولا نظلم أحدا لنرضي أحد أو لنكسب مالا أو منصبا، ولا نخدع ولا نقهر بشر لأي غرض. الظلم لا يؤدي إلا إلى مزيد من المعاناة والخراب والهدم، حتى أولئك الذين كسبوا مليارات الدولارات على حساب الضعفاء والفقراء صدقوني لن ينجوا من ظلمهم وبطشهم، وحياتهم مهما بدت ساطعة وناصعة، اعلموا أن ذلك ليس سوى المظهر الخارجي لحياتهم وما حقيقة حياتهم إلا عذابات وخسارات، تملؤها الضغائن والمهالك والأحقاد.

دعوت الله أن إذا ما كُنت مجبرا في يوم من الأيام على أن أكون ظالما أو مظلوما، أن يجعلني مظلوما وأموت مظلوما على أن أكون وأموت ظالما وقاهرا لغيري.. لا أقول هذا تصنعا للمثالية ولا طلبا لها، بل هو واقع عشته وقناعة راسخة لدي، فاللهم - إن كان ولا بد - أن أعيش وأكون وأموت مظلوما على أن أكون وأموت ظالما.. هذا جوابي على سؤال بداية المقال؛ لا مبرر للقتل والظلم مهما دعت وكانت الظروف والمصاعب والتحديات. الموت ولا الظلم، هذه هي خلاصة الإجابة.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في