: آخر تحديث

تصلُّب المواقف!

35
34
32
مواضيع ذات صلة

لولا تصلُب المواقف لما حدثت الحروب والصراعات والمعارك. كل حروب ومعارك العالم بدأت واشتعلت بسبب عناد أو تصلّب أحد الأطراف مما أدى لتصلّب موقف الطرف الآخر بالمقابل لتنتهي بحرب أو كارثة كبيرة. إذن السبب يكمن في اعتقاد الإنسان المغرور والنرجسي (كبعض حكّام وشعوب العالم الحاليين) بأن جميع مطالبه يجب أن تُنفّذ وتُطبّق بشكل كامل دون زيادة أو نقصان، ودون أدنى حد من المرونة والقدرة على التنازل والتفاهم. لهذا السبب الرئيس اشتعلت حروب العالم الأولى والثانية وربما الثالثة. 

وهذا الموضوع يجعلنا على الصعيد الفردي كذلك نكون أكثر وعيا ومسؤولية تجاه مواقفنا التي قد ينتج عنها كوارث ومصائب، فلا مانع من المرونة والليونة في اتخاذ المواقف والحد من التشنّج والتصلّب الذي لن يؤدي بنا إلا إلى مزيد من الخراب والدمار. لنكن أكثر عقلانية تجاه الحياة، فالحياة ليست إمّا بيضاء أو سوداء ولا المواقف أيضا، بل هي رمادية ومواقفها رمادية وأحلامها وواقعها وتفاصيلها رمادية، ونحن كذلك ينبغي أن تكون مواقفنا رمادية اللون أي ليست متطرفة ولا متصلّبة لموقف ما، بل ينبغي أن تكون هناك مساحة للمرونة والتفاهم والتفاوض، وإلا فلا سبيل سوى الحرب والقتل والدماء. 

أنا أتحدث عن تصلّب المواقف، وسياسة (إمّا أبيض أو أسود) التي كانت ومازالت أهم أسباب نشوب النزاعات والحروب والكوارث على مدار عمر وتاريخ البشرية. وأتساءل كذلك عن ماذا لو أن الإنسان كسر من غروره قليلا ورضي بالحل الوسط والمواقف الوسط التي لا ضرر فيها ولا ضرار لأي طرف، كيف سيكون شكل العالم حينها؟ من المؤكد أنه سيكون أقل عنفا ورعبا وخرابا. 

إذن لنكن أكثر عقلانية وواقعية تجاه هذه الحياة، ولنكسر ونقلّل من غرورنا ونرجسيتنا في حياتنا ومواقفنا قدر المستطاع لنتمكن من العيش معا على الأقل بالحد الأدنى من السلام والاطمئنان. لن تستطيع أن تحصل على كل ما تريد من الآخر إذا لم تتنازل عن بعض ما تريد، هذه هي الحياة لا شيء بدون مقابل، ولا موقف فيها بدون تنازل، ولا حياة فيها بدون تعايش وتسامح وتقبل للآخر. 

أعلم أن هناك أشياء لا تقبل التفاوض كالحياة والحرية والكرامة، نعم أدرك ذلك جيدا وهذه هي التي بسبب تشنّج مواقفنا تجاهها نشبت أغلب الصراعات والحروب والمعارك. الحرية حق، والحياة حق، والكرامة حق، ولكن للآخر نصيبٌ منها كذلك، وتحقيقها مرهون بمدى قدرتنا على تقبّل نصيب ذلك الآخر منها، وبمدى قدرتنا على التنازل والتفاهم والتسامح والتعايش والتقبّل لمطالبنا ومطالب الآخر كذلك على حد سواء، وإلا فلا خيار لنا غير الاندثار والخراب والهلاك.. وهذه رسالةٌ للعالم أجمع، والسـلام.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في