: آخر تحديث

عُبَّاد المادة

45
38
33
مواضيع ذات صلة

لا أستطيع تقبل عبَّاد المادة، الذين يموتون سعيا وراءها وبحثا عنها وعن دعاتها.. أمقت تلك الحياة الفارغة والمقرفة التي لا روح فيها ولا كرامة، أفضل الموت على حياة لا حرية ولا معنى ولا قيمة للإنسان فيها. 

وهل يكون للإنسان أي قيمة في عالم خاوٍ من الروح بما تحمله من معانٍ وعظائم، هل من قيمة للإنسان في عالم لا صلة للإنسان فيه إلا مع المادة .. مادة جامدة لعينة وكئيبة، لا روح ولا حياة فيها ولا معها.

وأحب في المقابل حياة الامتلاء الروحاني، حيث أكون ذا صلة بموجد هذا الوجود.. أحب الحياة الغنية بالمعاني والحرية والكرامة، حياة الكبار العِظام. أولئك الذين تحرروا من قيود هذا الوجود، ومن أغلال المادة والمظاهر والمناظر.

أعشق الحياة المليئة بقيم المحبة والسلام والتعايش والحرية، حياة البساطة وعدم التكلف، حياة الملابس البسيطة والمظاهر التلقائية، حياة كريمة حرة. إن من يرى - من أصحاب العقل والحكمة - أيا من هذه الوقائع والمظاهر وأولئك المشاهير والتوابع والتوافه في مجتمعاتنا اليوم، لا يملك إلا أن يشعر بقرف واشمئزاز لا حد لهما تجاه هذا الواقع التعيس والبائس. 

من يرى كيف تُباع كرامة الإنسان مقابل فتات المادة، سوف لن يفضل حياة كتلك، فلا حياة حقة وحرة في ظل هذا الاستعباد الرأسمالي المتوحش والسعي اللا واعي تجاه المزيد من المادة والاستهلاك اليومي لأشياء لا قيمة ولا معنى لها.

لقد أصبحت حياتنا مثارة للأسى والحزن، يتسابق القطيع خلف مشهورة هنا وأخرى هناك سعيا لالتقاط الصور وأخذ بركات الشهرة والانغماس في تقديس الذات. لقد أصبحت حياة مجتمعاتنا خاوية فوق خوائها، وتافهة فوق تفاهتها وكئيبة فوق كآبتها. 

يتسابق القطيع ليبيع كرامته وحرياته وحقوقه مقابل حفنة جمهور وفتات من النقود.. بالله عليكم أهكذا حياة تستحق أن تُعاش؟ هذه ليست حياة بل موات وهلاك، إن سعي الإنسان خلف تلك المادة الزائلة ورميه لحرياته وحقوقه الخالدة ليس سوى إنذار بقرب النهاية. 

نهاية مجتمعات باعت حقوقها وحرياتها، ولم تعرف سنة الله في الحياة والمجتمعات.. لم تعرف أن المجتمعات التي تتنازل عن مصدر عزتها وقوتها، لن تجد لها حاميا ولا معزا. 

لم تفهم مجتمعاتنا بعد أن المجتمعات التي قامت على احترام الإنسان وكيانه وحقوقه وحرياته وكرامته، هي من تسود وهي من يكون لها الغلبة والأحقية بهذه الحياة.

لقد تخلوا عبَّاد المادة والتوافه عن حقهم في الحياة ورضوا بأن يكونوا مجرد كائنات مستهلكة، لا تشكل سوى عبء على العالم والحضارة بأسرها، ورضوا بأن يكونوا أدوات بيد طغاتهم وقاهريهم.

يقمعونهم فيحبونهم، يركلونهم فيتعلقون بهم أكثر، يحتقرونهم فيعظمونهم ويجلونهم فوق ما لا يُتصور.. معتقدين أن لا حياة ولا نجاة لهم إلا تحت أحذية طغاتهم وأسيادهم، وأن قيمتهم لا تتجاوز حدود المادة والموائد والتوافه.. فهل هكذا حياة في تلك المجتمعات تستحق أن تُعاش؟


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في فضاء الرأي