: آخر تحديث
هاشتاك الناس

حيض سياسي

101
124
112

ما زال العراق يعيش حالة الطوارئ بانتظار الولادة العسيرة؛ أغلبية وطنية أو اغلبيه توافقية أو أغلبية شرقية أو أقلية غربية. أسماء لا قيمة لها بالمعنى على حياة شعب ما زال يعيش فوق المزابل والمستنقعات، وداخل خيم انتهاك الكرامة الإنسانية، وينزح تحت الفقر المزمن، والبطالة الدائمة. بينما الثلث الآخر من العلماء والأدباء والفنانين رواد الجمال يموتون قهرا بصمت العوز والحاجة، ومنهم من تمزقهم غربة الوطن إجبارا. وجميعهم يشتركون من قلق المستقبل المجهول. حيث لا تنفع معها خلطة عطار مفتي، ولا وصفة "أبو علي" المغوار، ولا الخرقّ الخضراء أو البيضاء للشيوخ والأولياء. 

ما يجري ليس معقولا بمنطق الزمن ومتوالياته، حيث الوطن يعيش في غرفة الإنعاش منذ أشهر طويلة بانتظار ما يقدمه السياسي المصاب أصلا بفقر الحياء والرؤية والبصيرة والتبصر من حلول ترقيعيه. وهو نفس السياسي الذي أغرق الشعب بكوارث الدم والتخلف؛ اليس هو اللص الذي ابتكر لنا البيوت الطائفية، ونهب إيرادات النفط والموانئ والمنافذ الحدودية، وزَرَع في الديار الرصاص والمخدرات، وأعادنا إلى العصر الحجري؟!

لا يسعك وصف ما يجري اليوم سوى بالكارثة؛ مرادفات سياسية بالكلمات المتقاطعة، بلا برامج ورؤى في هندسة الحياة السياسية، فلا حزب قدم لنا برنامجه السياسي لحل مشكلات الوطن والشعب، ولا أحد رسم لنا خريطة الحياة والمستقبل، وأنقذ البلد من براثن الفساد المزمن ومفسدة السياسي الذي سيعود لنا بقناع جديد. هناك حميّة السلطة والجاه تتغلب على مصالح الشعب. وجياع تنام على زبد الوعود، وعسل الكلام، وظلم الأقربون والأبعدون.     

تبدو إن التقاطعات والصدامات ولَيّ الأذرع كما نراه في الظاهر، وما لا نراه في الخفاء، أنها ثرثرة على الأرصفة وفي المقاهي، وتنطع واحتيال، وتلاعب بالوطن وأقفال أبوابه، وتهميش الشعب وإعادته قرونا إلى الوراء بسلوكية التوحش والتنكيل، وبمنطق داء العظمة الطائفية المتخلفة.

ما جري خلال الشهور الستة لاختيار "الرئيس المبجل"، و"الكتلة الأكبر العظمى" ماهي إلا امتهان لكرامة العراقي، وتأسيس بطريكيّه أو أبوية لقتل الوعي في صياغة مصيره، وجعله مجرد حمولة ديموغرافية فاقدة لإنسانيته ووجوده وحرية اختياراته. والأرجح إن هناك استراتيجيات سعت إلى تجريف كرامة العراقي، وتسطيح حياته، وتجذير الأمية السياسية، وتفكيك نسيجه الاجتماعي، بطريقة مُذلة ومنهجيًة!

ما يحدث في الدولة العراقية ابتكار سياسي جديد لا تجده في الأمكنة والأزمنة على مرَّ التاريخ. ليس له مقاييس دولية في الطول والعرض، ولا جينات بشرية لفك رموز الشفرة الوراثية؛ هو قانون جديد يحدّد للعباد انتظار توقف "الحيض السياسي"، وانتهاء "العدّة" الأربعينية بهدف مزواله النشاط السياسي، وعودة الحياة للحب والزواج والولادة، وأنتاج بروتين الجينات؛ لأن ما يجري هو عقم سياسي يسمح فيه بتلقيح أرحم الكتل الحزبية بالأجنة الأجنبية بهدف إنتاج ولادات مشوهة في أرحام لا تصلح معها الدواء ولا الكيّ بسائل النيتروجين!

بالمختصر، ما يهم الشعب أن تنتهي المناورات البهلوانية، والألعاب السياسية الظاهرية والباطنية، ووليمة الحرامية، وسوس العمالة والفساد، والطبخة المعطرة بعشب الدارسين الإيراني والتركي والأمريكي ليستريح من ضوضاء الأصوات القبيحة، ورائحة الدارسين العفنة.

ما يقلقه اليوم انتظار ملامح ظهور "الكتلة الأكبر"، واستمرار الحيض السياسي الذي لازم العملية السياسية منذ ولادتها، واستمرار نزيف الدم طيلة سنوات الوجع والخراب، وإنتاج سياسيين أنابيب من حيوانات منوية غير عراقية. مثلما الخوف قائما من ممارسة الكبار لعبة الزواج العرفي والمتعة سرا، بينما يبقى هو عازباً ينتظر أن يتوقف "حيض" الأحزاب السياسية، وانتهاء "العدّة" الأربعينية وخلوتها الافتراضية، وانفتاح مهابل الانسداد السياسي من اجل أن يكون مهيئا للتخصيب السياسي بفيتامين الوطنية.

ياله من زمن مضحك وتعيس؛ بلد لم يتوقف نزيف حيضه منذ ربع قرن، ولا تشنجاته السياسية، فما عاد ينفع معه دواء الطب ومسكناته ومناظيره، وعمليات استئصال الرحم وأورامه السياسية، كما لم ينفع كَيّ العملية السياسية التي تنزف دما فاسدا لأن الجميع في العملية السياسية يعانون من تصلب شرايين السياسة وتشحمها، وفقدان الأوكسجين في خلايا الضمائر والعقول!          

  


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.