في مقالي السابق ضمن سلسلة مقالاتي في هذه الصحيفة الغراء عن الأزمة الروسية الأوكرانية طرحت السؤال: هل أفلت بوتن من فخ أوكرانيا، استعرضت فيه المشهد الروسي الأوكراني وفق عدة مسارات سياسية وجيوسياسية واستعرضت المشهِيّات التي تدفع الدب الروسي لغزو روسيا ضمن البهارات الغربية التي جعلت هذه الطبخة تغري الدب الروسي بإقتحام أوكرانيا لإلتهام هذه الوجبة الدسمة!!.
وختمت مقالي بترك الباب مفتوحاً لمعرفة هل سيفلت بوتن من هذا الفخ أم أنه سيقع فيه؟
في مقالي هذا أوضح أن خبير الـ KGB الرئيس بوتن لم يستطع الصمود أمام رائحة الشواء الاوكراني برائحة البهارات الغربية مما دفعه لإقتحام أوكرانيا وضربها بمختلف الأسلحة الخفيفة والثقيلة وهنا أقول: لقد سقط بوتن في الفخ الأوكراني.
الكرملين يرفع شعار القومية الروسية والامن القومي الروسي وكبح تمدد الناتو باتجاه روسيا وأن على الغرب أن يعتبر أوكرانيا وحدود روسيا خطاً أحمر لا يجب تجاوزه!
لكن رغم هذا الحذر الروسي والرغبة في وقف التمدد الغربي خاصة الصمت عن التدخل الروسي في جورجيا 2008 وقضم شبه جزيرة القرم والإعتراف بأقاليم أوكرانية كدول مستقلة، كل هذا من وجهة نظري ليس كافياً لهذه المغامرة الروسية التي ربما لم يفطن لها قادة الكرملين ومستشاري بوتن!
اليسار الغربي سواء في أمريكا أو أوربا يجيدون لعبة نصب الأفخاخ واستدراج الخصوم عن طريق تضخيمهم وإثارة نزعة العظمة عندهم كما فعلوا مع صدام حسين ومعمر القذافي ويصنعون الأن مع الصين وكوريا الشمالية، وهم يعملون منذ فترة طويلة على تفكيك روسيا إلى أقاليم ودول وإن كان يظهر من سياساتهم الضعف والتفكك.
نقول في تحليلاتنا أن أمريكا تتراجع وتضعف وأن أوربا شاخت وحلف الناتو يعاني الضعف والانقسام، نعم هذا صحيح في ظاهره لكن في باطنه الخديعة والمكر ولو عدنا لشيء من التاريخ واستعدنا بعض تنبؤات برنارد لويس الذي كان من الناقدين اللاذعين للاتحاد السوفيتي حيث كان من المؤمنين بالماركسية في البداية ثم نبذها وتخلى عنها وأصبح من محاربيها وكيف أن التنظير السياسي يكتبه المفكرون وينفذه الساسة، وهذا ما شاهدناه في تقسيم العالم العربي والإسلامي والسعي الغربي للتمدد نحو أوربا الشرقية وتلقف الدول التي استقلت من الإتحاد السوفيتي وهذا ليس إلا تنفيذاً لمخططات مدروسة وانتقلت من صفحات الكتب إلى غرف صناعة القرارات والسياسات الإستراتيجية.
فما نشاهده الان من صمت غربي عما يحدث في أوكرانيا رغم الوعود الغربية بدعم أوكرانيا ثم التخلي عنها في لحظات الإبقاء على الضخ الإعلامي والدفع ببعض المساعدات العسكرية ليس إلا ضمن سياسة جلب الدب إلى حضيرة الضباع عندئذ لن تنفعه قوته المفرطة مهما بلغت، فالغرب بأيديهم العديد من خيوط اللعبة الأوراسية التي يمكن أن تطوق قيمة الدب الروسي.
فهذا الغرب بدأ في إجراء عزل النظام المالي الروسي عن SWIFT الذي هو شريان مالي عالمي يسمح بالتدفقات النقدية بسهولة وسلاسة لتمويل التجارة الخارجية والمشاريع البينية من البنوك العالمية وهذا من شأنه أن يلحق الضرر بالاقتصاد الروسي على المدى القصير والمتوسط والبعيد.
كذلك فإن إغلاق نيوستريم 2 من قبل ألمانيا يعد مسماراً قويا في جسد الاقتصاد الروسي أما تدفق الغاز بإتجاه أوربا الذي يصل إلى (40%) من إحتياجها من الطاقة وعجز المصادر البديلة مثل قطر أو الجزائر أو أمريكا أو بعض الدول المنتجة في أوربا عن تعويض هذا النقص لأسباب فنية واقتصادية، وهذا من شأنه أن يلحق الضرر الشديد بالاقتصاد الروسي.
كما ان ظهور بوادر تشكيل مليشيات قتالية دعا إليها الرئيس الأوكراني من خارج أوكرانيا من شأنه أن يجلب تجارب الحرب والمرتزقة لتكوين مستنقع حقيقي لروسيا لا تلبث أن تعيد أفغانستان من جديد، وربما بدأ يدركه بوتن خلال أيام من بدء الحرب بدعوته لحوار روسي أوكراني في بلاد روسيا الذي قوبل بالرفض الأوكراني، أما على الصعيد الداخلي فسيكون الضغط وإخراج المواطنين للتظاهر لا سيما مع ما سيبرز من أزمات اقتصادية وتوقف الكثير من الأنشطة التجارية المشتركة مع الغرب وتوقف الصادرات الخارجية في مجال الرقائق والتقنية التي تقوم عليها الكثير من الصناعات الروسية.
كما لا ننسى الضغط الأممي الذي بدأ يتشكل حيث رأينا اجتماع مجلس الأمن والتصويت بالأغلبية على إدانة روسيا ودعم أوكرانيا وإصرار المجلس على محاسبة روسيا رغم الفيتو الروسي.
ودعوة المجلس إلى اجتماع استثنائي للجمعية العامة للأمم المتحدة، أعتقد أن الرئيس بوتن كان لديه خيارات كثيرة غير الحرب الشاملة وكان باستطاعته اللعب بالكثير من الأوراق التي يمكن أن تحقق أهدافه في منع الغرب من التقدم للحدود الروسية ومنع أوكرانيا وغيرها من الدول الأوراسية من الإنضمام لحلف الناتو.
وعوداً على بدء للإجابة على عنوان هذا المقال.
أقول نعم لقد سقط الدب الروسي في الفخ الأوكراني وفي المقال القادم بحول الله نستعرض ما ستكشف عنه الأيام القادمة.