: آخر تحديث

عن الغرب والمليشيات

53
48
48
مواضيع ذات صلة

في عالمنا العربي تسير أمور المليشيات ببساطة متناهية، فما عليها سوى الخروج على القانون، لتتحول إلى طرف سياسي يفاوضه العالم، وتدافع عنه المنظمات الحقوقية، ليصل حامل البندقية غير الشرعية إلى سدة الحكم نتيجة تسويات دولية، ليخلع بعدها بزة المليشيات ويرتدي ياقة السياسيين شكلاً، ويبقى المضمون جانحاً نحو السلاح والعنف.

مشكلة المنطقة مع المليشيات تتجلى في كيل العالم الغربي بمكيالين، فهذا العالم يرى في أي تهديد لمؤسسات الحكم لديه خروجاً عن القانون، وإرهاباً وتطرفاً يجب اجتثاثه، إلا أن ذات العالم المتحضر لا يرى مشكلة في تعامله وتفاوضه مع مليشيا مسلحة أدخلت شعباً فكاملاً في معاناة إنسانية صعبة.

قد يرى البعض أن الحديث عن تشجيع العالم الغربي للمليشيات نوعاً من سطحية التفكير والخروج عن سياقات القراءة المنطقية للسياسة الدولية، إلا أن واقع منطقتنا قد تنطبق عليه هذه السطحية وإن كانت نوعاً من الخروج عن المألوف، فالعديد من التجارب تعزز هذا الطرح.

في لبنان، يرفع حزب الله السلاح في وجه الدولة ويرهن مواقفها وقدراتها لصالح أجندته، ورغم المعاناة التي يعيشها الشعب اللبناني بكافة طوائفه ومرجعياته نتيجة ممارسات وسلوكيات الحزب إلا أنه يُعامل معاملة الطرف السياسي والشريك المتحكم في البرلمان والحكومة وإدارة الدولة.

في اليمن، تنقلب مليشيا على الدولة وتستولي على السلطة وتنهب مقدرات وثروات البلد، وتُعلن نفسها سلطة سياسية، ليبدأ العالم الغربي بمفاوضتها فمن مبعوث أممي إلى آخر أمريكي وثالث أوروبي، والكل يفاوض الحوثي ويرى أن لا تسويات سياسية إلا بوجوده وموافقته، رغم أنه جاء بقوة البندقية وضرب بعرض الحائط كل المواثيق والاتفاقات الداخلية والدولية، ناهيك عن زعزعته للاستقرار والسلم الإقليميين.

في العراق، العشرات من المليشيات المسلحة، لها ممثلين في البرلمان وحصة في الحكومة، وقادتها يتجولون بين العواصم العالمية ويعقدون المؤتمرات والمنتديات، وإذا لم تعجبهم النتيجة عادوا إلى قواعدهم ليبدأ إطلاق الرصاص والمسيرات، دون أن يحرك العالم ساكناً فهم في نظره أطراف سياسية عراقية.

في ليبيا، يصطف العالم لخلع العقيد وإنهاء حكمه بحجة الوقوف مع الشعب الليبي، ثم يُترك الليبيين في مواجهة فوضى المليشيات، التي أصبح لها ممثلين ووزراء وسفراء يستقبلون بالسجاد الأحمر، يفاوضون ويفرضون وجهة نظرهم، ومن لم يفُز بحصة من الكعكة الليبية ما عليه سوى التلويح بسلاحه ونفوذه على الأرض لتبدأ دورة جديدة من التفاوض ومؤتمرات السلام اللامتناهية.

ما يحدث في العالم العربي من سيطرة للمليشيات وفرضها سياسة الأمر الواقع بقوة السلاح ليس بالضرورة صناعة غربية، فهذه المليشيات خرجت من رحم مجتمعاتها لأسباب عديدة وتدخلات خارجية كثيرة، إلا أن الدول الكبرى اسهمت بشكل أو آخر في الترويج لمفاهيم الخروج على الدولة والسيطرة عليها، فعندما يفاوض الغرب المليشيات ويرسل لها المبعوثين بحجة سلطة الأمر الواقع فهو في الواقع يعطيها نوعاً من الشرعية وينقلها من واقع المليشيا إلى واقع السياسة.

الدول الكبرى قادت الأوضاع في منطقتنا إلى هذه المرحلة من السوء، وهي مَن ساهم بفتح شهية المليشيات للانقلاب على السلطة، فعندما يصبح الإرهابي مفاوضاً ويحظى بالكثير من التنازلات من الأطراف الدولية، فمن الطبيعي ألا يتراجع قيد أنملة عن أهدافه وشهوته للاستحواذ على السلطة.

باختصار لو وقف العالم وقفة حاسمة وجادة ضد المليشيات لم وصلنا إلى مرحلة الظاهرة، وإلى مرحلة بات فيها إنشاء مليشيا أقصر واسهل طرق الوصول إلى الحكم.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في