ألا يبدو لك العنوان كلمات خشبيةً بلا روح؟ لكن توصيف الحال يتطلب ذلك. لقد أزرى الدهر ببراعم آمال المستقبل، حدّ حاجة الجيل الصاعد إلى وكالة غوث ذوقي. لهذا آثر القلم اجتناب السهام الخارقة لدروع عدم الإحساس بالمسؤولية الثقافية لدى الأوساط الفنية. للتفكير بصوت عالٍ، نحن كعالم عربي لم نأتِ إلى دنيا الآداب والفنون من كوكب صفر حضارة صفر ثقافة ولم تقم له قائمة قطّ، حتى يقع النشء الجديد في حالة انعدام وزن ثقافي وهم غير مذنبين.
جردة الحساب بسيطة، لكن النتائج ثقيلة والمسؤولية المترتبة عليها أثقل. هي ذي معطيات الحالة الثقافية، من حيث مستوى اللغة العربية، حبّذا لو أسعدنا علماء اللغة باختبار لمستوى الفصحى تكلّماً وكتابةً، من الإعدادية إلى الجامعة، وإن كان العقل يُغني عن الامتحان، فالمحنة أظهر من أن تخفى. يضاف التحقيق في مدى اطلاع فتياتنا وفتياننا على ميراثهم الأدبي شعراً ونثراً. الأذن التي أنِست إلى روائع البيان الساحر ستُملأ رعباً وتولي الفرار، إذا صُعق سمعها بمنكرات كلمات الأغاني الهابطة.
في الذوق الموسيقي، المسؤولية تتحمل تبعاتها المؤسسات الثقافية والفنية في العالم العربي، وهي سلبيات متراكبة متراكمة. الظلم الذوقي لأطفال العرب هو انعدام وجود موسيقى جادة إبداعية للصغار، جرّاء افتقارالعالم العربي إلى موسيقى مستقلة عن الكلام. وبما أن الأغاني اقترنت منذ قرون بالغزل الحسي، فقد صارت مرادفاً لما يتعارض مع الأخلاق الحميدة. هكذا نرى طفلة تتغنّى بطول معاناتها في الغرام. بينما ينعم الصغير الأوروبي في المهد بكل روائع الموسيقى السيمفونية، ومنها أكثر من ستمئة أثر هي الأعمال الكاملة لموتزارت.
حين يشب الطفل العربي عن الطوق، لا يجد المعاهد الموسيقية ذات المناهج الأكاديمية فينشأ على أن الموسيقى وكالة بلا بوّاب، يفعل فيها كل من هبّ ودبّ، ما طاب له من العبث واللعب. هذا يضاعف تأليب الأسر على الوسط المحسوب على الموسيقى، فتزداد الحال سوءاً. قارن هذا الوضع بالصين التي كرّرنا مراراً أن بها خمسين مليون طفل يدرسون البيانو. ذلك لقاح مضاد للفيروسات التي تضرب مناعة الذوق السليم.
لزوم ما يلزم: النتيجة الفكرية: ما الذي تنتظره من مجتمعات تُضرب هويتها في لغتها وذوقها؟