ثمة رؤى مختلفة ومتاينة في تقدير وتقييم الفترات والمراحل الزمنية التي تمر بها المجتمعات، ومن بين تلك الفترات والمراحل التقليدية، هو العام، الذي نمر به بجزئية 365 يوماً، أو 12 شهراً، والذي يحدث فيه الكثير من الأحداث والتطورات، أو التغيرات والتحولات، بعض منها تتسم بالإيجابية والآخرى سلبية دون شك، ولكن المعيار في الأمر دوماً يرتبط بما أسلفناه، أي إختلاف الرأي والمذهب في التقييم والتقدير، إذ ثمة من يُبدي الرأي من خلال مقارنة العام بالعام الماضي، وثمة من ينظر الى الأمر من زاوية الحاجات والحقوق والظروف التي مرت بها أبناء البلد، وهناك من ينطلق من منظور طبقي وأوضاع طبقة إجتماعية ما خلال العام، فضلاً عن رؤى فردية في التقييم تصدر عن مطامح وتوقعات وآمال عديدة للإنسان الفرد..
عدا ذلك كله، هناك من يقيّم العام الذي واكبه بكل تفاصيليه وجزئياته من خلال مقارنته بأحوال بلدان ومجتمعات أخرى، وباب المقارنة هذه ينفتح دوماً على جانبي الأمر، أي السلبي والإيجابي منه، فهناك من يُقَدّر حال البلد الذي عاش فيه خلال عام كامل من الزمن من منظور التطورات والتحولات الإيجابية التي حدثت في بلد ما والشعور بتخلف وتقوقع بلده مقارنةً بذلك البلد، والعكس أيضاً، أي التحولات والأحداث السلبية والمؤلمة لبلد معين لحد الحمد لله على إن ذلك لم يحدث في بلده.
كما وثمة من ينظر الى الأمر من مدخل قصور الدولة وتهاون مؤسساتها إزاء المواطن خلال ذلك العام، وهناك من يتخذ الموقف بناءاً على الآثار المحلية لأحداث عالمية وأزمات دولية لا حول للبلد فيها ولا قوة كوباء كورونا مثلاً وما الى ذلك ..
على أي حال، الرؤى تخلتف وتتباين ولكن دون أن يعني ذلك إنعدام تشكُّل رأي عام إزاء العام الذي يمر به أي بلد، لاسيما أن الأوضاع السياسية والإقتصادية والإجتماعية والأمنية والخ، تطال جميع أبناء ذلك البلد وتؤثر على أحوالهم وحياتهم بشكل أو بآخر، وإقليم كردستان العراق هنا يمثل نموذجاً لهذه المعادلة التقلدية، إذ عانى المواطن في هذا الإقليم من شتى مشاكل وأزمات لم تستثني أي فرد من تأثيراتها القوية والمربكة إلا الطبقة السياسية، التي يعيش معظمها في معيشة رغيدة ورفاهية على حساب المواطن المسكين وحقوقه وبسوء التصرف مع ثروات وخيرات الإقليم بل نهبها أحياناً وبشكل منظم من خلال شبكات حزبية وفئوية بات يعترف بوجودها حتى كبار المسؤولين في الإقليم أنفسهم، ويدعون الى الحد منها لحد إطلاق مشاريع إصلاحية دون أن يسفر كل ذلك في النهاية عن نتائج ملموسة على أرض الواقع تُغَيّر أحوال المواطن وتُحَسّن ظروفه.
بعبارة أخرى كان عام 2021 عاماً بائساً لمواطني إقليم كردستان، وذلك لأسباب عديدة لا تُعد ولاتحصى. ويمكن لأي مراقب رصد الكثير من الأزمات والظروف الهالكة التي مر بها المواطن، منها معاودة ظاهرة هجرة المواطن بموجات كبيرة قله نظيرها منذ عام 1922-1999 الى بلدان الغربة وتعرض الكثير منهم لأحداث وفواجع مؤلمة كغرق العديد منهم في بحر إيجة اليونانية أو بحر المانش بين فرنسا وبريطانيا، وموت بعض الآخر منهم بفعل الأحوال الجوية المتردية والشتاء القارص على حدود بلاروسيا وبولندا وأماكن أخرى مختلفة على وجه المعمورة.
ان عام 2021 كان عاماً تعيساً في كردستان العراق لأنه أستشهد فيه مجدداً المئات من قوات البيشمركة والمواطنين على يد مسلحي داعش وهجماته الإرهابية، كما وحدث فيه إضرابات أمنية في السليمانية بسبب الخلافات الداخلية لحزب الإتحاد الوطني الكردستاني ووقوع القتلى في هذه الخلافات، وتجدد المظاهرات والإحتجاجات من قبل شرائح إجتماعية مختلفة وفي مقدمتها طلبة جامعات كردستان للمطالبة بحقوقهم المشروعة وتعرضهم إثر ذلك الى العنف، فضلاً عن إشتباكات قبلية وعشائرية في أكثر من منطقة ومدينة ومصرع العديد من المشتبكين، وكذلك حدوث مناوشات أمنية بين بعض من أبناء المسؤولين المتغطرسين ومفارز من القوى الأمن الداخلي وإحداث قلاقل أمنية في مراكز المدن.
كما وأن وقوع الفيضانات والسيول المتكررة في عام 2021 في محافظة أربيل وأضرارها البشرية والمادية، هزت مشاعر الحزن والأسى بين أبناء الإقليم، لاسيما إن أربيل هي مدينة العاصمة وغالية عند الجميع، إضافةً الى إستمرار القصف التركي والإيراني للقرى الكردية الحدودية وحرق البساتين والمزارع بل موت العديد من القروين وتشرد الآلاف منهم جراء هذه الإعتداءآت المتكررة اللا متناهية.
ومن الناحية الإقتصادية، كان عام 2021 عاماً بائساً لأنه برزت فيه وبقوة ظاهرة التهريب في النقاط الحدودية وفشل الحكومة في الحد منها رغم قرارها بتشكيل قوة لمكافحة هذه الظاهرة، وكذلك تزايد ديون الحكومة وإستمرار سعر الدولار مقابل الدينار العراقي، والذي يدفع المواطن ثمنه وخاصة موظفي الإقليم بفعل قيمة رواتبهم في القدرة الشرائية، هذا فضلاً عن إحتدام أزمة الوقود وإرتفاع أسعارها بشكل كبير وإنعكاساتها السلبية على الحالة المعيشية للمواطن. أما ظاهرة البطالة وإنعدام فرص العمل فهي كالعادة كانت متواصلة من دون أن تكون هناك أية خطط حقيقية إصلاحية غير شعاراتية توضَع من قِبَل الحكومة والبرلمان لمواجتها وإحتوائها، وكذلك بروز مشكلة الفقر والعوز وتجلياتها المؤلمة في تقارير إعلامية تهز القلوب.
ومن الناحية الإجتماعية، فكان عام 2021 عاماً مشؤوماً للحياة الإجتماعية، إذ تفاقمت فيه – على حد بعض التقارير الصادرة عن الجهات المعنية في المجتمع – ظاهرة العنف ضد المرأة وظاهرة الطلاق وإنهيار الآلاف من الأسر، ومشكلة العنوسة وأزمة الزواج والأمراض النفسية وظهور سلوكيات إجتماعية إنحرافية لدى بعض الفئات أو الأفراد، وتكرار حالات تعاطي المخدرات والإنتحار، أو التحرش بالجنس اللطيف بل حالات الإغتصاب والمثلية الجنسية وشبكات الدعارة وما الى ذلك.. ورغم تواصل الجهود لمكافحة هذه الظواهر الخطيرة في المجتمع إلا إنها لا تزال قائمة، وقد أشتدت أكثر في العام المنصرم كما لاحظنا ذلك بأنفسنا أيضاً من خلال متابعة الأخبار الخاصة بالأحوال والمستجدات الإجتماعية.
أما الجانب السياسي فحدث ولا حرج، فقد كان عام 2021 عاماً مبتلياً بالكثير من التقلبات والأحداث التي لم تخدم الكرد وإقليم كردستان، منها توتر العلاقات بين المجتمع والدولة أكثر، أي المواطن ومؤسسات الإقليم كالحكومة والبرلمان ورئاسة الإقليم، ذلك لأن كل تلك المؤسسات والسلطات لم تكن قادرة - للأسف- على أن تمثل المجتمع تمثيلاً واقعياً وتأخذ مصالح وحاجات فئات الشعب المختلفة بعين الإعتبار كما يجب، ولم تستطع أن تواجه الأزمات السياسية والإقتصادية والإدارية في إقليم كردستان مواجه حقيقية تطال العناصر الفاسدة والمسؤولة عن تلك الأزمات والمشاكل.
كما أن العلاقة بين الأحزاب السياسية كانت علاقة متشنجة على طول السنة، لاسيما مع أجواء الحملة الإنتخابية الخاصة بإنتخابات العراق والتصعيد المتواصل بينهم دون أدنى مراعاة للحالة النفسية للمواطن، مما أدى ذلك - بجانب عوامل أخرى - الى مقاطعة الإنتخابات بنسبة كبيرة وصلت الى 55% فضلاً عن إنخفاض شعبية الأحزاب الرئيسية وتدني نسبة التصويت لصالحهم مقارنةً بالعمليات الإنتخابية الماضية.
بإختصار شديد، كان عام 2021 عاماً مشؤوماً للغاية وينبغي ان نفعل المستحيل لكي لا تكرر أحداثه و أزماته، أو فواجعه و آلامه، وهذه من صميم مسؤولية كبار الطبقة السياسية والأحزاب الحاكمة في إقليم كردستان العراق.
*كاتب وأكاديمي – كُردستان العراق