: آخر تحديث

الوباء و زعامة العالم

63
62
49
مواضيع ذات صلة

يقف العالم على حافّة المجهول في ظلّ الترقب الذي يخيم على العلاقات الإستراتيجية بين الدول مع تنامي التوقعات بتشكّل محاور جديدة وتحالفات مغايرة للمعهود إثر اكتساح جائحة كورونا العالم. وفي وقت لا زالت الحكومات تكابد لاحتواء الوباء وإدارة الأزمة الصحية التي أودت بآلاف الضحايا  فإن حجم التداعيات الكارثية على كافة القطاعات الأخرى لم تتضح بالكامل وعلى رأسها الركود الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة والفقر التي طالما كانت من أهم العوامل الرئيسية لاندلاع الحروب.

غموضٌ  كثيف أحاط  بداية الوباء وتفشيه وأسئلة كثيرة لا تزال معلقّة حتّى الآن، مما دفع دول عديدة بينها فرنسا وألمانيا وبريطانيا  بمطالبة الصين بمزيد من الشفافية بشأن تعاطيها مع الأزمة التي تكتمت أسابيع حولها.  فيما قادت الولايات المتحدة وأستراليا الدعوات لفتح تحقيق دولي بشأن مصدر الجائحة الامر الذي قوبل برفض بكين متهمة الولايات المتحدة بـ"تسييس القضية"، في وقت لوّح الرئيس الأميركي دونالد ترامب "بقطع كافّة العلاقات مع الصين".

وكانت الأسابيع الأخيرة قد شهدت العديد من التصريحات والاتهامات المتبادلة بين الأطراف، إلا أن التوتر دخل طورا جديدا مع مؤشرات قوية لتورّط الصين في محاولة قرصنة أبحاث أميركية متعلقة بالفيروس، وهو ما أوردته  صحيفتا "وول ستريت جورنال" و"نيويورك تايمز" في اشارة إلى أن  مخترقين على علاقة بالحكومة الصينية حاولوا سرقة أبحاث حول تطوير لقاح ضد كوفيد 19، و أنّ مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي ووزارة الأمن الداخلي يخططان لإصدار تحذير بشأن تلك القرصنة الصينية.

كما كان المستشار الاقتصادي في الادارة الأميركية  بيتر نافارو قد طالب الصين بدفع تعويضات بتريليونات الدولارات لأنها "ألحقت دمارا هائلا بالعالم" جراء الوباء. وكان  ترامب قد قرر منتصف الشهر الفائت تعليق المساهمة المالية لبلاده في منظمة الصحة العالمية، معتبرا أنها أساءت إدارة أزمة فيروس كورونا.

وجاء ذلك بعد ان وجه ترامب لائحة اتهام مطولة إلى المنظمة الأممية، قال فيها أن "العالم تلقى الكثير من المعلومات الخاطئة حول انتقال العدوى والوفيات" الناجمة عن الوباء؛ غير ان الصين رفضت إجراء اي تحقيق مشيرة إلى أنها تدعم تأسيس لجنة تقودها منظمة الصحة العالمية لمراجعة استجابة العالم لتفشي الفيروس لكن "بعد انتهاء الوباء" وهو  ما يبدو متعذّرًا من الناحية العملية في ظل غياب لقاح، وبعد أن أعلنت المنظمة على لسان مديرها تيدروس أدهانوم غيبريسوس أن غالبية الدول لا تزال في المراحل الأولى من التصدي للجائحة، معتبرا أن غالبية سكان العالم هم عرضة للإصابة وأن هذا الفيروس سيستمر"لفترة طويلة".

أما من الجانب الأوروبي فقد نقلت صحيفة "ديرشبيغل " الألمانية  عن مصادر استخبارية ألمانية أن الرئيس الصيني شي جين بينغ طلب شخصيًّا من مدير منظمة الصحة تأخير التحذير العالمي بشأن كورونا، وهو "ما أفقد العالم أسابيع من الوقت لبدء مكافحة الجائحة". وقد رفضت المنظمة ذلك الاتهام  في تغريدة لها معتبرة أن هذه المعلومات "لا أساس لها من الصحة".

وفيما يتزايد التوتر بين الولايات المتحدة والصين بشدة على الأسواق مع  تجدد الحرب التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم، فإن بعض المحللين يبدون قلقهم حيال اندلاع حربٍ عالمية تعيد رسم خريطة العالم من جديد.

وفي تقرير بالغ الأهمية نشرته رويترز مطلع هذا الشهر اشار إلى ارتفاع حدة الاتهامات الموجهة للصين بسبب مسؤوليتها عن انتشار الوباء حول العالم مما ينذر بالحرب، وأن التقرير من إعداد المعاهد الصينية للعلاقات الدولية المعاصرة، وهي مؤسسة فكرية تابعة لوزارة أمن الدولة، أكبر جهاز مخابرات في الصين، حيث حذر زعماء كبار في بكين بينهم الرئيس شي جين بينغ إلى أن تزايد المشاعر العالمية المناهضة للصين قد وصلت الى أعلى مستوياتها، منذ حملة ميدان السماء السماوي "تيانانمين" عام 1989. وأنها تحتاج إلى أن تستعد لمواجهة مسلحة بين القوتين العالميتين في أسوأ سيناريو محتمل.

كثيرة هي الملفات التي تسعى الولايات المتحدة محاسبة الصين عليها، أو أقله فرض العقوبات الاقتصادية الصارمة عليها، منها اضطهاد الصين للأقليات وعدم عدالة التجارة والممارسات التكنولوجية، إضافة إلى النزاعات حول هونغ كونغ و تايوان والأراضي المتنازع عليها في بحر الصين.
وفيما يبدو مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة معطلا بعد أن فشل في جمع الدول دائمي العضوية ولو في اجتماعٍ افتراضيّ واحد عقب الجائحة، فإن الولايات المتحدة تسعى لاستقطاب رأي عامٍ دولي لإيجاد صيغة جديدة للحفاظ على الأمن العالمي، لا سيما إثر تململ علاقاتها بالاتحاد الاوروبي وتراجع دورها المحوري في الشرق الأوسط.

فهل سيتمكن النَّسر الأميركي من كبح جماح التنين الصيني ؟ وهل يتجه العالم نحو تشكيل جيوسياسي مغاير للموجود حاليا ؟ وهل ستشهد البشرية ولادة مجلس قادة جديد بعد أن أصبحت الأمم المتحدة ومؤسساتها عديمة الجدوى، وقراراتها مجرد حبر على ورق ؟
 ربما العالم يتجه بعد كورنا نحو ولادة جديدة لم تتضح معالمها بالكامل، ولكن  الخوف كل الخوف من أن يكون مخاضها عبارة عن حربٍ ربما تكون من نوع آخر لم تشهده البشرية من قبل.  


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في فضاء الرأي