: آخر تحديث

ليست قديسة.... ولكن

116
116
103

اجرى تلفزيون البي بي سي مقابلة مع المبدع العربي نصير شما، ولمن لا يعرف نصير شما فهو الذي رافقت موسيقاه الشاعر محمود درويش في إلقاءه للشعر، ولولا أني شاهدت المقابلة لبقيت أظن أن نصير مجرد موسيقار، فتبين لي أنه أكثر من موسيقار بكثير. فهو الناشط في حقوق الإنسان ونفذ حملات كبيرة لإغاثة اللاجئين العراقيين والسوريين وغيرهم، مستغلا شهرته وسماته القيادية لخدمة الإنسانية لا لتحقيق مكاسب شخصية. 

في هذا اللقاء قال نصير أنه اطلع على أوضاع اللاجئين في مختلف الدول ولم يرَ أفضل من أوضاعهم في ألمانيا، وقال أن ميركل ليست قديسة ولكنها إنسانة بكل ما تحمله الكلمة من معنى. فقد استقبلت مليون لاجئ من مختلف الجنسيات وناضلت في سبيل كف الأذى عنهم ووفرت لهم ما لم توفره أية دولة أخرى، فهم يسكنون في منازل نظيفة، ويتعلمون ويتعالجون مجانا، ويمارسون مختلف المهن بكل أمن وأمان، حتى أن شارعا في برلين يحمل اسم "شارع العرب" لكثرة المطاعم والمتاجر العربية فيه، وأضاف نصير أن المتعلمين استطاعوا تعلم اللغة الألمانية بوقت وجيز واندمجوا في المجتمع الألماني وكثير منهم تصاهروا مع الألمان. 

قد يقول قارئ ما أن ألمانيا تحتاجهم نظرا لاقتصادها القوي وقلة الأيدي العاملة، وهذا صحيح، ولكن دولا كثيرة تحتاج الأيدي العاملة ولم تتصرف كألمانيا، من كان يتصور أن البلد الذي أنتج هتلر هو نفس البلد الذي أنتج ميركل؟ في كلا الحالتين، ألمانيا تتربع على عرض الحضارة، ولكنها في الحالة الأولى أرادت السيطرة بالقوة وفي الحالة الثانية تريد السيطرة بالمحبة، وشتان ما بين الحالتين. 

وقد يقول قائل أن ألمانيا دولة غنية، ولكن هناك دولا أخرى غنية ولا تراهم إلا ينبحون الغريب الذي يقترب من ديارهم. هذا هو الفرق ما بين الحضارة والبدائية، فالحضارة التي تشمل جميع جوانب الحياة، وليست مجرد مظاهر وقشور، تربي أناسا ينظرون إلى الحياة بشمولية، فهذا كوكب فيه كائنات أتت إلى الحياة دون إرادتها ولم تختر جنسيتها ولا لونها ولا عرقها ولا ديانتها، فجدير بالإنسان أن يتيح لها الفرصة لكي تعيش بكرامتها إذا كان ذلك بمقدوره. فالمال لا يحدد موقفك اتجاه الحياة والبشر، ولكن منظومة الأخلاق والقيم هي التي تتحكم بهذا الأمر، فإذا كنت بدائيا ومتوحشا، فسوف تكون قصير النظر ومحدود الأفق وغير قادر على التعامل إلا مع القليل جدا من المتغيرات وتتكيف معها، لأنك لا تملك القدرات الفكرية ولا الركيزة الأخلاقية لذلك، بينما تجد بعض الشعوب المتقدمة لديها القدرة على استيعاب أكبر قدر من المتغيرات والتعامل معها برقة وذوق رفيع، ولا تعرف  الاستضعاف ولا الاستغلال ولا الاستذئابولا الاستكلاب. 

ليست قديسة، وأظن أنها لو كانت متدينة لما اتخذت هذا الموقف، فالأديان لا تعترف بمساواة البشر، وتستعلي على أصحاب الديانات الأخرى، ولمن يشك في كلامي فليذكر حديث الرسول (تَجِدُونَ النَّاسَ مَعَادِنَ خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِخِيَارُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ) [متفق عليه, أخرجهما البخاري ومسلمفي الصحيح عن أبي هريرة] أي أن الدين لا يعيد خلق الإنسان، فإذا كان ذا خلق، لن تؤخر ديانته ولن تقدم، فهو إنسان خلوق مهما تبدلت الأحوال. ولا يغتر أحد بناسك متعبد يتكسب من وراء ثياب التقوى، فإذا واتته فرصة للافتراس، فإنه ينقض على فريسته دون وازع خلقي أو ضمير أو شريعة أو قانون.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في فضاء الرأي