"الإسلام جزء من إلمانيا"، هي المقولة الشهيرة التي أطلقها الرئيس الألماني كريستيان فولف في ذكرى توحيد شطري ألمانيا عام 2010، وتبنّتها المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في يناير الماضي. المقولة التي سُميت من قبل بعض القيادات السياسية اليمينية الألمانية ب"الخطيرة"، أثارت ولا تزال ردود أفعال كبيرة في الأوساط الألمانية والأوروبية، خصوصاً من داخل حزبها (المسيحي الديمقراطي)، بينهم القيادي البارز في "الإتحادالمسيحي" ورئيس وزراء ولاية سكسونيا شتاينسلاف تيليش، الذي رفض اعتبار الإسلام كجزء من ألمانيا.
الرئيس الألماني يواخيم غاوك حاول، في حينه، "تعديل" مقولة سلفه بالقول:"المسلمون المقيمون في ألمانيا هم فقط اللذين ينتمون إليها". ما يعني بوضوح فصل المسلمين عن إسلامهم أو قيمهم الإسلامية، وهذا غير ممكن، كما قال رئيس حزب الخضر في حينه السياسي التركي الأصل جم أوزدَمير: "لا يمكن فهم تصريح الرئيس لتناقضه، فطالما ينتمي المسلمون المقيمون فيها إلى ألمانيا، فبالضرورة ينتمي الإسلام إليها كذلك".
التصريحان، بحسب محللين ألمان، بغض النظر عن الإتفاق أو الإختلاف معهما، فيهما من "الشك" بإنتماء الإسلام إلى ألمانيا أكثر من اليقين.
وبحسب آخر استطلاعات الرأي التي قام بها معهد آلنسباخ وإنفراتست ديماب لصالح إذاعة "WDR" الرسمية، أنّ أكثر من 63% من الألمان لا يتفقون مع عبارة مستشارتهم بإعتبار "الإسلام جزءاً من ألمانيا حالياً"، علماً كان قد اتفق حوالي نصف الألمان (49%) مع الرئيس فولف فيما قال وعارضه 47%، قبل 6 سنوات.
بعد مرور حوالي عام على مقولة ميركل وسواها من التصريحات المشابهة التي أفقدتها الكثير من شعبيتها بسبب سياستها تجاه المهاجرين، أُعيد انتخابها أمس لرئاسة حزبها، حيث حُظيت بحوالي 90% من أصوات المندوبين، رغم الإنتقادات اللاذعة لسياستها على مستوى الداخل الألماني. فما هو السبب؟
في كلمتها أمس أمام مندوبي حزبها، مارست ميركل سياسة "ضربة على الحافر وضربة على المسمار"، حيث بدت براغماتيةً حيناً، وواقعيةً أحياناً أخرى. رغم إزدواجية خطابها، إلا أن الرسالة الأهم التي أرادت إيصالها إلى حزبها والناخب الألماني، كان "اعترافها الضمني" بأخطائها وتراجعها عن سياسة "الأبواب المفتوحة" أما اللاجئين، واعتبار "الإسلام جزءاً من ألمانيا"، أو "مساواة القيم المسيحية بالقيم الإسلامية".
ميركل لم تكن "الأم الرحيمة للاجئين" (ماما مركل) هذه المرّة، كعادتها، وإنما بدت صارمةً في خطابها بوضع حدّ لسياسة "الأبواب المفتوحة"، و"المظاهر الإسلامية" (كالبرقع) و"المجتمعات الموازية" (خصوصاً العربية والإسلامية)، ما يشير إلى تغيير واضح (إن لم يكن جذري) في استراتيجيتها تجاه التحديات التي تواجه ألمانيا لا سيما الأمنية منها، خصوصاً بعد وقوع "هيئة حماية الدستور" المكلّفة بمتابعة ومراقبة الإسلاميين وتحركاتهم وكشف مخططاتهم ضحيةً لتجسس أحد عناصرها الإسلاميين، الذي كان يحضّر لتنفيذ هجوم إرهابي على الهيئة نفسها.
خطاب ميركل أشار بوضوح إلى تغيير كبير في سياستها، وتحوّلها من الوسط إلى يمين الوسط، وذلك لمواجهة المدّ الشعبي لحركة "بيغيدا" (PEGIDA) المعادية للإسلام، و"حزب البديل لألمانيا" اليميني الشعبوي المعارض للإتحاد الأوروبي( (AFD، في الإنتخابات القادمة.
بعد تصاعد نسبة الرافضين من الألمان لسياسة اللجوء ومقولة إعتبار "الإسلام جزءاً من ألمانيا" إلى حوالي الثلثين، كان على المستشارة الألمانية أن تختار بين إما التراجع عن مرونتها تجاه اللاجئين، ومد المظاهر الإسلاميةالمنتشرة في ألمانيا والمنافية للقانون والقيم الأوروبية، للفوز برئاسة حزبها وكسب أصوات الناخبين في الإنتخابات التي ستجري العام القادم، أو الإستمرار على سياساتها والإنسحاب من المشهد السياسي الألماني وترك الساحة للأحزاب اليمينية المتطرفة.
فوز ميركل للخيار الأول كان السبب الرئيسي في فوزها برئاسة حزبها، وبالتالي عزمها الترشح لولاية رابعة.
شبّه مراقبون جملة ميركل الشهيرة (الإسلام جزء من ألمانيا) بجملة أخرى شهيرة أطلقها المستشار الألماني الأسبق فيللي براندت، حين قال: "فلنتجرّأ على المزيد من الديمقراطية". يبدو أنّ الأخير نجح إلى حد كبير في مسعاه بانفتاح ألمانيا على المزيد من الديمقراطية وقيم الحداثة، لكنّ الأولى فشلت على الأرجح كما يشير خطابها الأخير، وانحيازها لصالح الأغلبية الألمانية الرافضة لقبول "الإسلام كجزء لا يتجزأ من ألمانيا".