: آخر تحديث

كيف تصنع إرهابيا في يوم واحد فقط؟ 1-2

105
119
108

كنت مع صديق في بيته، يقلب قنوات التلفزيون، فلا يجد سوى خبر عن تفجير، أو معارك إرهابية.

قال متذمرا:

ـ منذ سنوات أبحث عن الموسيقى والأغاني فلا أجد غير مشاهد جثث تتناثر، وندوات حولها فيها الكثير من اللغو، لا أدري من أين يأتون بكل هؤلاء الإرهابيين؟

قلت:

ـ لا يقتضي لصناعة الإرهابي سوى يوم واحد فقط!

أطفأ صاحبي التلفزيون، واقبل عليَ مندهشا، مستفزا، كأنه يحقق معي:

ـ يوم واحد؟كيف؟ أأنت جاد؟

وجدتني متورطا بحكايتهم:

ـ نعم يوم واحد فقط، والسبب ببساطة؛ لأن هناك قبلك من أنجز 99% من العمل؟

ـ كيف؟ لا أفهم!

ـ البيت والمدرسة أنجزا 20% من العمل،علموا سيء الحظ هذا الذي سيكون إرهابيا، أن المسلمين وحدهم أحباب الله، وأن طائفته هي التي تمثل الإسلام الحقيقي، وإن عليه أن يحقد على أصحاب الدين الآخر، والطائفة الأخرى بكل ما يتسع دمه. طائفته وحدها ستدخل الجنة، لا أحد من الطائفة الأخرى، أو الأديان الأخرى! طائفته فقط في الجنة تتمتع بما فيها من فاكهة وعسل وخمر وحوريات، وسيكون لغيرها الجحيم طبعا! وإن الله أوكل حمايته، لأبناء طائفته الأقوياء وعليهم الموت في سبيله! ولأنهم علموه أن لا يناقش، لذا هو لا يسألهم: كيف أن الله الذي خلق الكون والبشر والجنة والنار يحتاج حمايتنا، نحن؟ ألسنا نحن الذين نحتاج حمايته ورعايته؟ حدثوه عن أمجاد المسلمين الغزاة، والسبايا من النساء والأطفال، وعن قصص العنف والقسوة والكراهية، ومارسوها أمامه، أما الرحمة والعفو والغفران فقد اختصروها له بقولهم: مهما اقترفت من ذنوب سيغفرها الله لك، فقط إذا صليت،أو حجيت أما إذا استشهدت فلك 72 حورية إضافية! هذا إذا كان سنيا، أما إذا كان شيعيا فهم يؤكدون له أنه سيحظى بشفاعة علي، وسيلقى هناك الحسين سيد شباب أهل الجنة، وهكذا تكون البذور الأولى قد غرست في أحشاء هذا الصبي المسكين الذي عليه أن يكون حين يشب؛ (ذباحّا سفاحّا نكّاحا) من الطراز الأول!

لم ينتظرني صاحبي حتى أشعل سيجارتي صاح مستعجلا:

ـــ لكنك نسيت المساجد والجوامع والحسينيات!

ـــ لم أنسها، هذه تعلم آباءهم فينقلون خطب أأمتهم النارية لأبنائهم، فبدت أصل البلاء! دعني أكمل: الفقر الفقر أعظم صناع الناقمين والثائرين ودعاة العنف، أنسيت ذلك القول الذي ينسب لأبي ذر الغفاري "عجبت لمن لا يجد قوت يومه؛ كيف لا يخرج على الناس شاهرا سيفه!" أليست أكثرية المسلمين فقراء؟ 10 % من المسلمين يمتلكون 90% من ثروات بلاد المسلمين، و 90% من المسلمين لهم 10 % من ثروات المسلمين، ها أنت ترى كم هي شاسعة مزارع إنتاج الإرهابيين! الفقر أنجز لك 20% أخرى من المهمة!

صار صاحبي يحدق بي حذرا كأنني اصنع له إرهابيا سيخرج من قمقمي ويلتهمه، جاء صوته واهنا:

ــ وبعد؟

ــ بعد أن صار الطفل مراهقا،وفقيرا معدما، سيمنعه المجتمع أن يلتقي بفتاة، أو حتى يتحدث معها، أو ينظر إليها، فيقوم هو بعدها بقمع نفسه وغريزته ويحولها إلى خجل، أو خوف فيظل مكبوتا، متوترا، يكاد هو نفسه يتحول إلى قنبلة، يلعن هذه الدنيا التي لا يستطيع أن يلتقي فيها بفتاة واحدة تشبع حاجته التي تزداد سعارا، ما الحل؟ ليغادر إلى جنة الله، هناك سيلقى 72 فتاة جميلة بين نهرين من عسل وخمر! لنقل أن المجتمع صنع 20 % من الإرهابي!

ــ حقا، تبقى 40%، كيف ستحلها؟!

ـ دولنا العتيدة، تلك التي تتعصب لدينها، أو لطائفتها فتجعل أتباع الديانات الأخرى دون حق المواطنة، أو التي تريد لطائفتها أن تقهر الطائفة الأخرى وتذلها، بل تسعى بكل وقاحة لأن تكون ضمن مشروع طائفي واسع يريد التهام المنطقة ويضعها في جوف دولة، أو دول غريبة عنه لغة وانتماء ومصيرا، ثم تمضي في ممارسة طقوسها الطائفية بطريقة استفزازية مهينة للآخرين، فتعبئهم بالحقد عليها وعلى أتباعها وأبناء طائفتها،كم تصنع من الرافضين لها والحاقدين عليها؟؟ ثم أهي عادلة منصفة؟ توزع الثروات والفرص والتقدير بشكل متساو وحسب الجدارة والاستحقاق؟ لا طبعا، فهي منخورة بالفساد، ثرواتها تذهب إلى جيوب اللصوص والسفلة والمنحطين، ولأعضاء حزبها وحملاتها الانتخابية، ويظل الفقراء والمعدمون المستحقون جياعا معوزين، هذا الطفل الذي صار الآن في العشرين سيكون حتما بين المظلومين، وسيكره ويحقد ويتحفز ويقرر أن

ينتقم، فيكون جاهزا لأعمال العنف!بهذا تكون الدولة قد أنجزت 20% من المهمة!

ظل صاحبي يردد خائفا:

ـــ إنه كابوس، لا مفر!

ـــ انتظر، ألسنا في هذا العالم؟هل الدول الكبرى المتحكمة بأوضاع العالم عادلة في حل مشكلات البشر على هذا الكوكب؟ أم هي جادة في صنعها وتعقيدها وإطالة أمدها؟ منذ كم والمسلمون يجدون بلدانهم تقضم،تستعمر، تذل، تهان، تمسخ، يشرد أبناؤها وحقوقهم تهضم، مثلا، هم منذ مائة عام يحلمون بكسرة حجر من فلسطين يعيش عليها الفلسطينيون آمنين، فلا يجدون، الدول الكبرى بتعسفها صنعت 19% من كل إرهابي!

ـــ ولماذا ليس 20%؟ لقد حيرتني!

يتبع


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في