اختار جاك ما اسم «علي بابا» لشركته ليس فقط تأثراً بقصص «ألف ليلة وليلة»، التي كانت مصدر متعة وخيال له ولمئات ملايين البشر، على مدى قرون، وألهمت حكاياته فكر الكثيرين– وهذا أمر سنعود له في مقال آخر– حتى بلغ أقاصي الصين، بل واختار الاسم للعلاقة بين محتويات الكتاب، الذي تجد به كل شيء تقريباً، ومتجره الافتراضي، الذي يحتوي على ملايين أصناف البضائع. كما جاء اختيار الاسم لسهولة تذكره، والتعرف عليه، وسهولة النطق به وكتابته، دون أخطاء، وهذا يشمل غالبية لغات العالم. كما أن اسم الشركة يتعلق بإحدى قصص الكتاب، أي «علي بابا والأربعين حرامي»، والمغارة التي كان «علي بابا» يحتفظ بها بكل مسروقاته الثمينة، والتي لا تفتح أبوابها إلا بعد أن يصيح من يقف أمامها: «افتح يا سمسم»، وهذا ما يجده أي متعامل مع شركة علي بابا، بمجرد الاطلاع على موقعها الإلكتروني، الذي يشبه المغارة العميقة، وما تتيحه للأفراد والشركات الصغيرة، حول العالم، من فرص إثراء كبيرة، من خلال طلب المواد منها وإعادة بيعها للغير.
على الرغم من المنطق الطريف وراء اختيار الاسم، فإن العقلية العربية لا تتقبله بسهولة، لأن الاسم يرتبط بـ«الأربعين حرامي»، ولكن هذه قصة أخرى.
* * *
بسبب اتساع الصين وعدد سكانها الضخم، وانشغال الجميع بالعمل الجاد والمستمر، فلا وقت للكثيرين للتسوق، وخاصة الأشياء التي لا يسهل الحصول عليها من دكاكين أو سوبرماركتات المنطقة، خاصة مع سكان القرى النائية، وبالتالي تتزايد باستمرار أعداد الصينيين الذين يعتمدون على شراء غالبية متطلباتهم عن طريق البريد، ومن هنا خلق جاك ما ثروته الهائلة.
* * *
يقول سائح عراقي، زائر للصين، من خلال فيديو بثه على الإنستغرام، إنه لاحظ وجود أرفف تمتلئ بكميات من الطرود البريدية من مختلف الأحجام، أمام مداخل الكثير من المباني السكنية، وضعتها شركات توصيل الطرود البريدية لشركات مثل «علي بابا»، ليقوم أصحابها بالتقاطها من على الرف، عند عودتهم، مساء، من أعمالهم. وذكر بأنه لا أحد يمد يده إلى طرد غيره، وهذا يحدث في دول ملحدة، لا يؤمن غالبية سكانها، إن لم يكن جميعهم، بأي دين. ويقول إنه فوجئ بذلك التصرف، الغريب، مقارنةً بما يحصل في كثير من دولنا من سرقة أحذية المصلين، وأنه تعرض شخصياً لسرقة حذائه أو نعاله، أثناء أداء الصلاة، في وطنه العراق، وهذه ظاهرة محيرة ربما لا تعرفها المجتمعات الأخرى، وإن وجدت، فأهلها، حتماً لا يتشدقون، ليل نهار، بأنهم أفضل البشر!
ملاحظة السائح العراقي لا تعني بالضرورة أن الصينيين شعب «مميز» ولا تعني أنهم الأفضل، فلديهم كم من العادات السيئة، التي يصعب تقبلها، ولمست الكثير منها خلال زيارة عدد من مدنها. لكنها تعني أن المشكلة لدينا أعمق منهم.. بكثير!!
وإلى مقال يوم غد.. الجمعة.
أحمد الصراف