هذا ما نراه نسمع به ونراه في الظاهر، أما ما لا نعلمه فأكثر من ذلك بكثير جداً، ومن المهم أخذ ما يمكن من احتياطات والتيقن من جودة ما نتناوله كل يوم، من مياه وخضروات وفواكه، وبخلاف ذلك سندفع ثمناً غالياً، من صحتنا وأموالنا، بسبب إهمالنا، وليس جهلنا، فكل المعنيين بالأمر يعلمون أين تقع المشكلة. فما حكم من يبخل على نفسه وصحته، ويختار أسوأ أنواع الفواكه والمأكولات، فقط لأنها رخيصة الثمن، ولا يكترث لخطرها، مع علمه بذلك، وامتلاكه لثروة كبيرة تمكنه من شراء الأفضل؟ هذا البخيل يشبه تصرف بعض الجهات الحكومية، التي تعرف أننا نمتلك المياه الصالحة لاستخدامات الري، وبالإمكان زيادة إنتاجها. كما نمتلك التربة والقدرة على زراعة منتجات غذائية كثيرة، ولدينا الموارد المالية الضخمة لخلق صناعة غذائية عالية النوعية، ومعتدلة الثمن، وبتصرفنا كل تكنولوجيا الزراعة العمودية، التي اتبعتها، بنجاح، أكثر من شركة زراعية في الكويت، ومنها شركة الحياة، التي حصلت عن جدارة على شهادة GAP العالمية، الخاصة بجودة المنتج. وهذه الشركات المحلية لم تكتفِ بتوفير خضروات وفواكه ذات طعم مميز، بل وحافظت على صحة مستهلكي منتجاتها من أخطار كثيرة تتسبب بها المزروعات الملوثة بمياه المجاري، خاصة التي يتم استيرادها من الدول الصديقة والشقيقة، والتي لا تخضع زراعتها، وفق شهادات أجهزتها ووسائل إعلامها، لأي رقابة حقيقية، سواء ما تعلق بجودة المياه أو السماد المستخدم، أو ما يضاف للمزروعات من سموم كيماوية بغية التلاعب في شكلها ولونها والإسراع في نضجها!
كل ما يتطلبه الأمر للمحافظة على صحة المستهلك، وهذا يشمل أعضاء الحكومة، اتخاذ القرار السليم، والسير فيه.
* * *
في تصرف مضحك، أعلنت هيئة الزراعة عن نيتها صرف مبلغ دينار ونصف الدينار لكل مزارع عن كل نخلة مثمرة، كمبادرة تشجيعية، بعد أن هبط إنتاج التمور لمستويات متدنية، نتيجة إصابة %50 منها تقريباً بالسوسة الحمراء. صرف هذا الدعم المهلهل سيكلف الحكومة ضعفه، كمصاريف إدارية، لينتهي الأمر بتشكيل لجان تحقيق في شبهة التلاعب في صرف مبالغ الدعم (!!)
ما يحتاجه المزارع ليس هذا المبلغ التافه الذي لا يكفي لتغطية تكلفة سماد النخلة، بل قيام الهيئة بمساعدة المزارعين في محاربة السوسة. علماً بأن زراعة التمور أصلاً خاسرة لما تتطلبه من عناية وقطف وتنظيف وكبس ووضع المنتج في أكياس مفرغة الهواء، ثم تعبئتها في كراتين، ونقلها لمنافذ البيع، وكان حرياً بالهيئة رفع مستوى تفكيرها ومحاولة تشجيع المزارعين «الجادين» على إنتاج الفواكه والخضروات بالطرق العلمية الحديثة، وتوفير الماء والكهرباء لهم، بدلاً من صرف الدينار ونصف الدينار، هباءً.
أحمد الصراف