: آخر تحديث

إيلون ماسك: المحاسب العام

4
3
3

في الوقت الذي يواصل إيلون ماسك «تجفيف المستنقع» داخل واشنطن، فإن خطته لتقليص حجم موظفي الحكومة الفيدرالية الأميركية قد تسفر عن عدد من العواقب غير المقصودة.

بالتأكيد قلة من الناس فقط هم مَن قد يعترضون على وقف دفع مبالغ شهرية لـ20 مليون موظف مدني سابق، ممن لا يزالون يتقاضون معاشاتهم التقاعدية بعد سنوات من وفاتهم ودفنهم.

وأقل من ذلك قد يوافقون على توجيه ملايين الدولارات من المساعدات إلى منظمات غير حكومية داخل اقتصادات ناشئة عملاقة مثل الهند وإندونيسيا، ناهيك بدول تبدو أقرب إلى ثقب أسود مثل أفغانستان، أو دول معادية لواشنطن بوضوح مثل جنوب أفريقيا.

ومن أبرز الأمثلة على مثل هذه المنظمات «أونروا»، التي أبقت على جماعات فلسطينية مسلحة على قيد الحياة لعقود، مما يعني أن المساعدات الأميركية ربما تكون أحد أسباب معاناة الناس من حروب لا تنتهي.

ودعوني أوضح هذا الأمر قليلاً. في جنوب السودان، ناهيك بغزة، لا يحمل المسلحون، الذين يسيطرون على ما تسمى الحكومة، همَّ تدبير الاحتياجات الأساسية، لأن المنظمات غير الحكومية أو وكالات الأمم المتحدة، المموَّلة من واشنطن وغيرها من الديمقراطيات الغربية، تتولى سداد الفاتورة. وبذلك، يحظى المسلحون المسيطرون على الأرض بحرّية إنفاق أي موارد يمكنهم حشدها على شراء الأسلحة وتجنيد المقاتلين ومواصلة حربهم.

وحتى داخل اليمن، الذي يصرح الآن بأنه في حالة حرب ضد الولايات المتحدة، يأتي أكثر من 60 في المائة من الغذاء اللازم لإبقاء السكان تحت سيطرة الحوثيين على قيد الحياة وقادرين على إطلاق الصواريخ على السفن الأميركية، من المساعدات الخارجية التي تمولها واشنطن إلى حد كبير.

بعبارة أخرى، فإن المساعدات الخارجية أحد الأسباب الرئيسية وراء أكثر من اثنتي عشرة حرباً لا نهاية لها في مختلف أنحاء العالم. أضف إلى ذلك أن لماسك الحق كذلك في التشكيك في حكمة تمويل نحو 40 في المائة من كيانات مثل «منظمة الدول الأميركية»، التي اختارت حديثاً شخصاً معروفاً بعدائه للولايات المتحدة لتعيينه في منصب الأمين العام الجديد لها.

من ناحية أخرى، تشير الأرقام إلى إنفاق الولايات المتحدة 37 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي على الحكومة، مما يضع البلاد، سواء على المستوى الفيدرالي أو على مستوى الولايات، في مرتبة أقل من متوسط الإنفاق لدى دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.

وربما تنطوي حملة ترمب - ماسك لخفض التكاليف، على فرصة لإجراء مراجعة شاملة للجدوى الحقيقية لكثير من المنظمات الدولية، التي ربما تجاوزت تاريخ انتهاء صلاحيتها، أو حتى تحولت إلى مصدر تهديد للسلام والاستقرار.

وقد يكون من بين ضحايا خفض ميزانية الوكالة الأميركية للتنمية الدولية بنسبة 88 في المائة، جزء من المعارضة الإيرانية للنظام في طهران. بدأ الأمر عام 1979، عندما رأت إدارة كارتر آمالها في دعم نظام إسلامي في طهران -بوصفه جزءاً من «حزام أخضر» ضد الاتحاد السوفياتي- تتبخر.

وفي غضون أقل من عام، أقنعت واشنطن بعض حلفائها، الذين حاربوا حكومة الشاه لعقود، بقطع علاقاتهم مع الخميني، والعودة إلى الساحة بوصفهم معارضين للنظام الإسلامي الجديد. ومع ذلك، نجح النظام الخميني في تهميش أو حتى سحق جماعات، مثل «الجبهة الوطنية»، و«حركة تحرير إيران»، و«مجاهدين خلق»، والحزب الراديكالي الإيراني، وأكثر من اثنتي عشرة جماعة تقوم على شخصيات بعينها.

وفي عهد الرئيس رونالد ريغان، حاولت واشنطن تنظيم جماعات المعارضة الإيرانية عبر تمويل بعضها بشكل مباشر، أو تزويدها بمنافذ إعلامية عبر إذاعة «صوت أميركا» و«راديو الحرية». وعلى رأس أولويات واشنطن جاء الضغط على ملالي طهران وتجنب الصدام العسكري المباشر معهم، الأمر الذي دفعها إلى تنحية الاعتبارات الآيديولوجية جانباً، عبر دعم حتى الجماعات الماركسية، بما في ذلك منظمتان كرديّتان مقرهما في العراق.

أما في عهد الرئيس باراك أوباما، فقد برزت الولايات المتحدة بوصفها داعماً رئيسياً للتيار «الإصلاحي» في طهران، حتى إنه حمل لقب «فرع الحزب الديمقراطي في إيران». وزخرت إذاعة «صوت أميركا» و«راديو الحرية» بالفارسية، بالناشطين الذين ظلوا موالين للثورة المناهضة للشاه، لكنهم حلموا بجمهورية خالية من الملالي، خاضعة لسيطرة الجماعات اليسارية.

وبناءً على معيار التكلفة والفائدة، قد لا يرى ماسك أي سبب لمواصلة ضخ ملايين من أموال دافعي الضرائب الأميركيين في جيوب الأفراد والجماعات التي تفتقر إلى قاعدة جماهيرية حقيقية في إيران أو في أوساط المنفيين الإيرانيين.

وحسب بعض التقارير، يدير المنفيون أكثر من 400 منفذ إعلامي داخل نحو 30 دولة، معظمها في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية.

وبإمكان ماسك الاحتفاظ بإذاعة «صوت أميركا» و«راديو الحرية»، لكن ليس على أنهما أداة دعائية لصالح هذا الفصيل أو ذاك في طهران، وإنما بوصفهما نافذة للإيرانيين داخل إيران على الولايات المتحدة، علاوة على طرح صحافة مهنية غير حزبية، مع ما تبقى من المعايير الأميركية الرفيعة.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد