من حيث المبدأ، لم يتأخر الرئيس المكلف تشكيل الحكومة في إنجاز مهمته. المدة المعقولة تتراوح بين شهر وشهرين على أبعد تقدير. ففي السابق، كانت عملية تأليف الحكومة تستغرق شهورًا طويلة على خلفية تنازع الحصص. من هنا، نعتبر أن الرئيس نواف سلام لا يزال يتحرك ضمن المهلة الزمنية المعقولة. لكن من المفهوم للجميع أن المرحلة تتطلب عملية تأليف سريعة ومختلفة عما سبق.
صحيح أن الرئيس سلام يأخذ في الاعتبار الكتل النيابية، لأنه يحتاج إلى ثقة مجلس النواب لكي تولد حكومته. وفي الوقت عينه، يحتاج إلى إحداث صدمة إيجابية من خلال التشكيلة التي يسعى إليها. لا يريد استعداء الكتل النيابية، وفي الوقت نفسه لا يريد أن تقتصر التشكيلة الحكومية على التمثيل النيابي المعهود، نظرًا لأن مجلس النواب الحالي لا يعكس في جانب كبير منه المرحلة الجديدة التي دخلتها المنطقة ومعها لبنان. المهم ألا يُقال إن الحكومة المقبلة ستكون نسخة طبق الأصل عن الحالية، وستختلف عنها بتفصيل واحد فقط، وهو أن "القوات اللبنانية" ستحل مكان "التيار الوطني الحر" من حيث التمثيل المسيحي الوازن.
عدا ذلك، لن يتغير شيء في تركيبة مجلس النواب لينعكس على الحكومة في حال أراد سلام أن يقتصر التمثيل على المجلس. ثمة حصة وازنة من خارج التمثيل النيابي الحزبي يجب أن تحمل في طياتها بذور التغيير الجدي. على هذه الشريحة الوازنة تقع مسؤولية إحداث فارق نوعي عن الماضي، واستطرادًا يُنتظر أن تحدث أيضًا صدمة إيجابية في المجتمع اللبناني العابر للطوائف والأحزاب والمناطق.
وللعمل، فإن الغالبية الساحقة من المجتمع اللبناني غير متحزبة وغير طائفية بالمعنى الضيق والغبي. وقد أظهرت "ثورة 17 تشرين" 2019 أن الشريحة اللبنانية الحيّة والحداثوية ليست طائفية ولا متزمتة. وحدها النواة الصلبة التي تدور في فلك "حزب الله" ضيقة الأفق، عنيفة، عدوانية، وغارقة في "ثارات" القرون الوسطى التي لا تغني ولا تسمن. وهذه الشريحة لها مثيلاتها في جميع المكونات اللبنانية، لكن هذه الأخيرة لا تمثل ثقلاً إلا في محيط "حزب الله".
ثمة من يهمس في أذن الرئيس المكلف أن مهمته الأساسية الآن هي تجنب استبعاد "الثنائي الشيعي" ومراعاته بعد النكسة التي حلّت بـ"حزب الله". هؤلاء لا ينتبهون إلى أن الرئيس المكلف ليس مكلفًا برئاسة حكومة "حزب الله" أخرى على غرار حكومة الرئيس نجيب ميقاتي. إن الرأي العام اللبناني العابر للطوائف والأحزاب والمناطق والطبقات الاجتماعية يمثل ثروة الرئيس نواف سلام ودعامته الأولى. وهذا الرأي العام يتوقع منه مواقف جريئة حيث لا يجرؤ الآخرون، مواقف وأفعال تعبر عن توجه تأسيسي لا استتباعي.
والأهم أن يكون شجاعًا في مواجهة الحالة الأخطر التي نعرفها ويعرفها حق المعرفة، والتي تهدد كل حكومة وكل عهد بالفشل الذريع. وبالتالي، فإن تشكيلة الحكومة التي سيقدمها الرئيس نواف سلام ستكون الامتحان ليس للحكومة فقط، بل للعهد نفسه! … فليُقدم.