عبدالله الزازان
كان رحيل الخطاط الشهير «دهيران» حمد الحبيب مأساة وفاجعة وصدمة حزينة، فقد كان شخصية إنسانية فذة ذات نبل رفيع. وكان على المستوى الشخصي شخصية منفتحة وجذابة، وذات نمط فريد في العلاقات الاجتماعية، والحضور الإنساني، يأخذك الإعجاب بالروح الاجتماعية والإنسانية التي يتحلى بها والتي تدل على بساطته التي لا تعرف التكلف، ومروءته، وشفافيته، وتواضعه، وإنسانيته، وثباته على المبدأ. فتلازم البعد الإنساني والاجتماعي بالبعد الفني كخطاط متفرد وملهم سر حضوره وتألقه، وإحدى أهم خواص شخصيته، وقد عكف على هذه السجية ولازمها منهجيًا وتفاعل معها كخيار ذاتي، فجعلت منه علامة فارقة وطاقة مشعة. كان " دهيران" يمتلك موهبة فطرية نادرة في فن الخط العربي، وكان ذلك تحصيلًا ذاتيًا جاء من وراء موهبته وجدارته الفنية. وكان إلى جانب ذلك أديباً ومثقفًا ومفكراً، وضع البدايات الأولى - وبصورة احترافية - لورشة الخط العربي الإبداعية في مدينة الرياض - وكان معه في ذلك أخيه إبراهيم الحبيب - وقدم من خلال تلك الورشة الفنية، منظورًا شاملاً لصورة وشكل الخط العربي الحديث، مختطاً منهجاً فنياً فريداً، يقوم على توظيف الخط توظيفاً فنياً، فعندما تبلورت في ذهنه صورة الخط العربي بشكله الجديد في منتصف الستينيات، بادر إلى إطلاق مشروعه الفني، والذي يتمثل في مرسمه وورشته الإبداعية ذات البعد الاحترافي والتي أقامها في شارع البطحاء بمدينة الرياض، وأدارها بمهنية واحترافية عالية، ومهارة فنية. عند ذلك تبوأ صدارة المشهد الفني، وحاز شهرة واسعة في فن الخط العربي، جراء وضعه في قوالب جمالية. حيث يُعد اليوم أحد أبرز الخطاطين العرب وأكثرهم حضورًا وتفرداً وتأثيرًا. حيث امتاز خطه بجمال التركيب وتفرد بتكوينات ذات أشكال فنية، فقد كانت لديه مهارة فنية في فنون الخط، والرسم، والزخرفة، والتصميم، يُصنف اليوم كواحد من أبرز الخطاطين العرب على الإطلاق، بسبب إتقانه البارع للخط، ومهارته الفنية بتوزيع الحروف، وإعطائها أبعادًا هندسية. كان يتقن أنواع الخطوط: الثلث، والنسخ، والرقعة، والكوفي، والفارسي، والديواني. حيث يقدم في لوحاته الجمال الفني عبر خطوط فائقة الروعة، وذلك بعد أن نجح في مزج الخطوط، فخرج بأروع الأعمال الفنية وبأنماط فريدة من الجمال والإبداع، قدم من خلالها صورة جمالية لفنيات الخط العربي. كان " دهيران" يمتلك رؤية جمالية ونزعة فنية، تصدر على أثرها حركة الخط العربي في مدينة الرياض. فقد كانت لوحاته تتصدر واجهات الأسواق، والمتاجر، والمؤسسات الخاصة والعامة، والشركات، والمحلات التجارية، وقطاع الأعمال خلال عقود السبعينيات، والثمانينيات، والتسعينيات وما بعدها، وأصبح حينها جزءًا من تاريخ مدينة الرياض الفني، وذلك من خلال الأعمال الإبداعية التي كان ينشرها في المدينة. استطاع الخطاط " دهيران" حمد الحبيب في حدود الإمكانات التي أتاحتها له تلك المرحلة التاريخية، أن يحيل كل ما حوله إلى مرسم فنان، وأن يطور بواسطة أعماله الإبداعية منهجًا جديدًا في الخط العربي. كان مفكرًا ومبدعًا ومجسداً نموذجيًا للنزعة الفنية، من خلال نسجه للخط العربي نسجاً فنياً. لقد كشفت مدينة الرياض عن مهاراته الفنية، فلوحاته الفنية ولافتاته جزء من ثقافة المدينة الفنية، تطالعك في كل الطرقات والميادين والأسواق والواجهات والجدران والأماكن العامة ومداخل المدينة، حيث أصبحت أعماله الفنية ذكرى يتردد صداها في مدينة الرياض، فقد كان على علاقة فريدة مع الرياض كأول خطاط سعودي يصافح المدينة، ويوثق علاقاته الفنية بها، وتسجل حلقات تاريخه الفني، ولكنه برغم حضوره الفني الكبير في مدينة الرياض، كان حاضراً أيضا في السبعينيات والثمانينيات في منطقته منطقة سدير، حيث تطالعك لوحاته ولافتاته بكل أشكالها وألوانها، في احتفالات ومهرجانات نادي منيخ ونادي الفيحاء بمدينة المجمعة، ونادي شباب حرمة والفيصلي بمدينة حرمة مبادرة ومشاركة منه في احتفالات المنطقة. واليوم يغادرنا " دهيران" حمد الحبيب بصمت، تاركًا وراءه تجربة فنية ملهمة قد يستحق منا عليها أن نعطيه في دقائق دعاءً مخلصاً.قراءة في رحلة الخطاط دهيران
مواضيع ذات صلة