سميح صعب
الرغبة التي تبديها كل من واشنطن وطهران في عدم نشوب نزاع إقليمي، لا تكفي لمجاراة وتيرة الهجمات الإسرائيلية المتسارعة على لبنان، والتي تدفع بهذا الاتجاه. في إسرائيل يتحدثون عن مسار طويل لتغيير "الواقع الأمني" في الشمال وعن الاستعدادات لغزو بري محتمل.
الرئيس الأميركي جو بايدن أكد العمل على "احتواء التصعيد"، والرئيس الإيراني مسعود بزشكيان قال :"نريد العيش بسلام ولا نريد الحرب"، وحذر من عواقب "لا رجعة فيها" إذا انفجر النزاع الإقليمي.
يتسق موقفا بايدن وبزشكيان مع ما صدر عن واشنطن وطهران منذ 7 تشرين الأول (أكتوبر) من العام الماضي، من كلام ينم عن الرغبة في عدم تمدد الحرب في غزة إلى لبنان ومنه إلى بقية الإقليم.
لكن أميركا وإيران اللتين لا تريدان حرباً تتحول إلى صدام مباشر بينهما، تواجهان اليوم معضلة التصعيد الإسرائيلي الكبير في لبنان، وتظهران حتى الآن محدودية في القدرة على احتواء توترات سابقة كانت تبرز بين الحين والآخر على الجبهة الشمالية.
لقد أخّرت إيران ردها على اغتيال إسرائيل رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية في طهران في 31 تموز (يوليو) الماضي، كبادرة لخفض التوتر في المنطقة. وهي إشارة إيرانية موجهة إلى الولايات المتحدة، مفادها أن إيران تريد الانفتاح على الغرب، على حساب حقها في الرد على انتهاك إسرائيل للسيادة الإيرانية.
التقطت إسرائيل الإشارة الإيرانية علامة ضعف، فقررت التصعيد في اتجاه "حزب الله" كي ترغمه على فك الارتباط مع غزة والقبول بترتيبات أمنية على الحدود. وبذلك أفسد نتنياهو مجدداً احتمالات قيام تقارب إيراني-أميركي في ضوء وصول رئيس إصلاحي إلى الرئاسة في إيران.
والأهم من ذلك، هو أن نتنياهو الذي تجاهل بايدن على مدى 11 شهراً في غزة، من غير المرجح أن يتجاوب معه الآن في لبنان. وما تبقى لبايدن أربعة أشهر في السلطة، تجعله متأخراً في محاولة الضغط على الحكومة الإسرائيلية.
ولا يكتم مسؤولون في إدارة بايدن استياءهم حيال نتنياهو. وتكشف صحيفة "النيويورك تايمز" كيف أن هؤلاء يتحدثون الآن عن المكالمات العاصفة بين الرئيس الأميركي ورئيس الوزراء الإسرائيلي، وعن الخيبات التي خرج بها وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن من اجتماعاته مع نتنياهو وكيف كان الأخير يعده بشيء ثم يخرج ليتحدث بنقيضه علناً.
وأدرك المسؤولون الأميركيون متأخرين أن نتنياهو لم يكن يأبه إلا لأمر واحد، وهو كيفية الحفاظ على ائتلافه الحكومي الهش وعلى البقاء في منصبه وخارج المحكمة.
في الوقت القاتل بالنسبة إلى إدارة بايدن، قرر نتنياهو احتلال غزة إلى أجل غير مسمى، ومهاجمة لبنان ليضع "حزب الله" أمام خيار التراجع عن مساندته للقطاع أو تحمل تبعات مواجهة حرب شاملة.
ووضعت إسرائيل "حزب الله" في موقف دفاعي، عبر الضربات المؤلمة التي وجهتها إليه استخبارياً وتكنولوجياً وصولاً إلى "الاجتياح الجوي" الذي بدأ ليل الأحد-الإثنين والحصيلة الدموية الأكبر في يوم واحد. وكانت هذه الهجمات ترمي إلى تجريد الحزب من قدراته الدفاعية والهجومية.
وإذا كان هذا التصعيد بمثابة التمهيد لغزو بري، فستكون إسرائيل في مواجهة الجزء الأصعب من حرب لم تبح بكل أسرارها بعد.
عند هذا المستوى من الخطورة، هل لا يزال في إمكان أميركا وإيران العمل على خفض التصعيد وتجنيب الشرق الأوسط حريقاً شاملاً؟
قادة العالم مجتمعون هذه الأيام في الأمم المتحدة، وهي فرصة كي يسارعوا إلى العمل الحثيث لمنع حدوث "غزة أخرى" في المنطقة، ووقف مسلسل القتل والدمار.