سليمان جودة
المعركة الدائرة بين الحكومة في البرازيل وإيلون ماسك، تغري بالمتابعة طول الوقت، لا لشيء، إلا لأنها معركة ظاهرها تكنولوجيا وباطنها سياسة، رغم كل ما يمكن أن يقال عنها بخلاف ذلك.
والقصة من الواضح أن لها خلفيات بعيدة، ولكننا لم ننتبه إليها إلا صباح السبت آخر أيام أغسطس، عندما قررت حكومة الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا، حجب منصة إكس في البلاد.
القرار ليس جديداً من نوعه على إكس، فمن قبل جرى حجبها في أكثر من بلد، ورغم ذلك فإنه قد أثار غضب ماسك، صاحب المنصة، الذي لم يُسلّم فيما يبدو بالقرار، وراح يتحدث عن إنه لن يأخذ به، وأن شركته التي تحمل اسم «ستارلينك للإنترنت الفضائي» سوف تسعفه في هذا الطريق، فأدى ذلك إلى أن يتضاعف سخط الحكومة البرازيلية عليه، وقد بلغ سخطها إلى حد أنها أعلنت أنها ستستهدف الشركة بعقوبات لم تحددها.
ولكن ما هي الخلفيات البعيدة التي دفعت الأمور إلى هذه الدرجة من التأزم، والتي جعلت كل طرف يفتش عما لديه من أسلحة يمكن استخدامها في هذا النزال الفريد.. إنه فريد حقاً.. وسبب فرادته أنه نزال بين دولة وشركة.
كانت حكومة الرئيس دا سيلفا لاحظت أن عمل «إكس» على أرضها وبين مواطنيها قد انقلب من عمل أساسه التواصل الاجتماعي، إلى عمل سياسي له أهداف أخرى فيما يظهر من خلال متابعته ومتابعة تفاصيله على المنصة.
وقد ظهر ذلك جلياً عندما بدأت إكس تنشر أشياء خاصة بالتصويت الإلكتروني في الانتخابات البرازيلية الماضية، ومع تكرار نشر هذه الأشياء اتضح أنها تقصد التشكيك في جدوى هذا التصويت، وبالتالي التشكيك في حصيلة السباق الرئاسي الذي جاء بالرئيس دا سيلفا وأقصى الرئيس السابق بولسونارو.
ولم تسكت حكومة دا سيلفا أمام ما كانت المنصة تواصل نشره في هذا الشأن، وقالت الحكومة إن ما يجري نشره ليس صحيحاً، وإنه من قبيل الأكاذيب التي يراد بها تضليل الناس في البرازيل، ويراد بها العمل لصالح بولسونارو.
وليس سراً أن بولسونارو كان قد راح يتشبث بالكرسي الرئاسي لآخر لحظة، وأنه كان يتمنى لو بقي في القصر لفترة ثانية، وأنه بذل في ذلك كل ما هو ممكن، لولا أن الكلمة النهائية كانت للناخب البرازيلي الذي انحاز إلى المرشح دا سيلفا وجاء به إلى القصر من جديد، بعد أن كان قد غادره في استحقاق رئاسي سابق.
وهكذا بدا أن اليمينية السياسية المفرطة التي يعتنقها ماسك، قد بدأت تنعكس على عمل منصته الاجتماعية، وأنه راح يوظفها لصالح بولسونارو، الذي ينتمي هو الآخر إلى اليمين السياسي المتطرف نفسه، والذي لم يكن يتصرف وقت وجوده في القصر إلا على هذا الأساس.
ولم تشأ حكومة دا سيلفا أن تقف متفرجة على ما دأبت «إكس» على ممارسته في هذا الاتجاه، فلم تجد مفراً من إصدار قرار قضائي بحظرها، ولم يكن قراراً سهلاً على ماسك، لأن عدد الذين كانوا يستخدمون منصته من البرازيليين كان 22 مليوناً، ولأن البرازيل كانت سادس سوق له على مستوى العالم، ولذلك، فخسارته ليست هينة ولا هي قليلة.
وكان قرار الحكومة البرازيلية واضحاً، وهو أنه لا عودة لإكس على أرضها أو إلى مشتركيها، إلا إذا احترم ماسك القوانين التي تنظم العمل على أرض البرازيل، وإلا إذا دفع غرامات كانت هيئة تنظيم الاتصالات البرازيلية قد فرضتها عليه في وقت سابق.
ولم يستسلم صاحب المنصة فعاد يحاول التواجد في البلاد من خلال «ستارلينك»، بعد أن عزّ عليه التواجد من خلال منصته الشهيرة وحدها، وكأنه قد جاء يدخل البرازيل من الشباك، بعد أن أغلقت الحكومة في وجهه الباب.
وما نتابعه يقول إن المعركة لا تزال لها بقية، ولكن الغالب أن الحكومة ستنتصر، لأنها تدافع عن سيادتها على أرض بلدها، ولأن المنصة الشهيرة انحرفت عن مسارها كمنصة من منصات التواصل الاجتماعي، إلى مسار آخر يمنحها الفرصة في لعب دور سياسي، ليس من بين الأدوار التي من أجلها نشأت منصات التواصل. سيكون على ماسك أن يأخذ خطوة إلى الوراء، وسيكون عليه أن يدرك أن انتشار منصته لا يعطيه الحق في دس أنفه فيما لا يعنيه.