علاقة المرأة بالسلطة كانت دوماً معقدة عبر تاريخ الإنسانية، وفي سياق مختلف الحضارات، ولم يكن من السهل على المرأة أن تتقلد مناصب الريادة في مختلف أنظمة الحكم، لأسباب ثقافية ومجتمعية، تتعلق بصورة المرأة في الوعي الجمعي المشترك، ومن ثم، فإن النساء اللواتي ذكرهنّ التاريخ بسبب دورهنّ السياسي البارز، يمكن عدّهنّ على الأصابع، نظراً لهيمنة العقلية الذكورية، وكل ما يتصل بما سُمي فضائل فحولة الرجال، وقد أسهمت المحاذير الدينية في جعل السلطة والحكم من المهام الحصرية للذكور؛ وعليه، فإن تأثير المرأة في مجال السلطة كان مرتبطاً، إلى حد بعيد، بوصفها زوجة، أو عشيقة الحاكم، وهناك أمثلة تاريخية عدة على هذا الدور غير المباشر للنساء في ممارسة السلطة.ويعود، اليوم، النقاش المتصل بدور المرأة في السلطة إلى الواجهة، بمناسبة تنظيم الانتخابات الرئاسية في أمريكا، بين مرشح جمهوري يدافع عن الذكورية والفحولة، وبين امرأة ديمقراطية تحاول الدفاع عن المرأة وحقوق الأقليات، الأمر الذي يدفع الملاحظين إلى التساؤل بشأن قناعات المواطن الأمريكي، وعمّا إذا كانت التحوّلات التي عرفها المجتمع خلال السنوات الأخيرة، ستدفع الأمريكيين إلى انتخاب امرأة في منصب الرئاسة، في أول سابقة في تاريخ الانتخابات الرئاسية الأمريكية، بعد أن فشلت هيلاري كلنتون، في الوصول إلى البيت الأبيض في رئاسيات سنة 2016 التي فاز في ها المرشح الجمهوري الحالي، دونالد ترامب.ويمكن القول في هذا السياق، إن علاقة المرأة بالسلطة بدأت بالتطور بشكل ملحوظ في النصف الثاني من القرن الماضي، وفي بداية القرن الجاري، واستطاعت المرأة نتيجة لهذه التحوّلات أن تتصدّر المشهد السياسي في العديد من الدول الغربية، وحتى في بعض الدول النامية والصاعدة، مثل الهند وباكستان، إضافة إلى أمريكا اللاتينية التي شهدت حكم ميشال باشليه في الشيلي، وكريستينا كريشنر في الأرجنتين، وقبلها إيفا بيرون وديلما روسيف في البرازيل؛ وكانت مشاركة المرأة في الحكم، في ألمانيا، وهولندا، وبريطانيا، والدول الاسكندنافية، أكثر قوة وتأثيراً.أما على مستوى المؤسسات الدولية، فقد استطاعت المرأة أن تتولى مناصب قيادية كبرى، ومؤثرة، مثل كريستين لاغارد في صندوق النقد الدولي، والفرنسية أودري أزولاي التي تولت منصب رئيسة «اليونيسكو»، وهو المنصب ذاته الذي سبق أن حصلت عليه البلغارية إرينا بوكوفا، كما سبق للبريطانية كاترين أشتون، والإيطالية فريديريكا موغريني، تحمّل مسؤوليات قيادية في الاتحاد الأوروبي. ويشير الباحث فريدريك إنسيل، في قاموسه الجيوسياسي، إلى أن دور المرأة تعاظم في الحقبة الأخيرة في العديد من المجالات العلمية، والتقنية، والقانونية، وكانت لها أدوار متعددة في المجال السياسي، لم تقتصر على الحكم، بل شملت مهام تقديم الاستشارات، الاقتصادية والسياسية، للرؤساء والملوك، وجرى اعتمادها كخبيرة لدى العديد من المؤسسات السيادية في مختلف دول العالم.ويؤكد آلان مانك، من جانبه، أنه إذا كانت علاقة المرأة بالسلطة تبدو الآن طبيعية، فإن الأمر لم يكن كذلك عبر التاريخن وتطلّب هذا التحوّل ما يشبه الثورة على المستويين، الثقافي والاجتماعي، قبل أن تصل المرأة إلى تقلّد الوظائف العليا، ومن ثم فإن تولي غولدا مائير رئاسة الوزراء في إسرائيل كان يبدو طبيعياً، بالنظر إلى حجم هذه الدولة، وقلة سكانها، وحاجتها الملحّة إلى كل مواطنيها من الذكور والاناث، على حد سواء. وقد شهدت فرنسا تولّي أول امرأة لمنصب الوزيرة الأولى سنة 1991 قبل أن تحصل اليزابيث بورن على المنصب ذاته سنة 2022، ومن ثم، فإن مانك يرى أن ضعف كفاءة بعض النساء يساوي ضعف كفاءة بعض الرجال، وقد يكون انهزام سيغولين روايال أمام ساركوزي في رئاسيات 2007 في فرنساعائداً إلى قلة خبرتها، وليس لكونها امرأة.ويذهب مانك أيضاً إلى أن فرض التغيير من أعلى في العديد من المؤسسات لم يكن كافياً لتعديل هرمية السلطة، كما أن عملية تحديد نسب لتعيين النساء في مناصب المسؤولية لا يسهم في إحداث تغييرات جذرية، وهناك في المقابل قناعة لدى العديد من النخب أن الحركة النسوية تبالغ في محاولة فرض تغييرات على مستوى الوظائف، بشكل لا ينسجم تماماً مع وتيرة التحوّلات التي تشهدها المجتمعات. ونستطيع أن نخلص في الأخير، إلى أن الانتخابات الرئاسية التي ستشهدها الولايات المتحدة الأمريكية في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، وما سيسبقها من حملة انتخابية قوية، ستكون مناسبة لمواجهة فريدة من نوعها، ليس بين برنامجَين سياسيين مختلفين ومرشحَين من أصول عرقية مختلفة فقط، ولكن أيضاً بين المدافعين عن النزعة النسوية، وعن المساواة بين الجنسين في أمريكا، وبين عودة النزعة الذكورية المفرطة، حيث يقدم ترامب نفسه كأنه شخصية من رجال الكهوف الذين يعتمدون على الشدّة التي تصل إلى مستوى القسوة في التعامل مع الخصوم.
رئاسيات أمريكا بين النسوية والذكورة
مواضيع ذات صلة