: آخر تحديث

إفريقيا ترفع صوتها

22
14
19

من مظاهر خلل النظام الدولي الراهن، أن القارة الإفريقية التي تضم أكثر من ربع دول العالم، تعيش على الهامش، وما زالت ساحةً للصراع بين القوى الكبرى، وحقلَ تجارب للمناورات السياسية، دون أن يكترث لحقوق شعوبها أحد، رغم ما تملكه القارة من قدرات وموارد تمكنها من أن تكون ركناً أساسياً في بناء مستقبل البشرية.بعيداً عن لغة المصالح وخطط السيطرة والنفوذ المتضاربة، يتحدث الجميع عن ظلم تاريخي مسلّط على إفريقيا، لكن لا يوجد أي تحرك فعلي لرفع الحيف، والاعتذار إلى هذه القارة التي شهدت كل فنون الاستعباد والاستعمار والنهب والتنكيل والاعتداء على كرامة أممها وشعوبها على مدى قرون. ومما يؤسف له أن هذه النظرة العنصرية ما زالت قائمة، ويتم تسويقها بخطابات خادعة تتحدث عن شراكات وعلاقات تكاملية بين دول القارة وقوى أخرى. فمنذ انتهاء العصر الاستعماري المباشر وإزالة الفصل العنصري، بدأ استعمار ناعم يعبر عنه تغلغل شركات ومافيات وشبكات للتهريب والجريمة المنظمة، وصولاً إلى جماعات إرهابية. وعلى مدى العقود الماضية، عقدت الدول الإفريقية قمماً مختلفة مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وفرنسا وإيطاليا وروسيا والصين وغيرها، وقد أظهرت أنها قمم أحادية المصلحة ومنصات للخصوم الدوليين لتبادل الرسائل والتراشق بخطط الهيمنة وإقصاء الآخر، بينما ظلت القارة السمراء على حالها، تخلفاً ومجاعات وحروباً أهلية وانقلابات عسكرية وساحة مستباحة للتدخلات. وهذه القضايا والتحديات لا تغيب عن النخب الإفريقية الساعية إلى النهوض بأممها وشعوبها لتكون قوة إيجابية وشريكة فاعلة للقوى الأخرى، وسيفرض هذا الطموح شكلاً جديداً من النضال الإفريقي، ربما يكون، جولة حاسمة لتحررها من أدران الماضي بكل ما حملت من ظلم وعَسْفٍ واضطهاد وتهميش.في خضم هذا الكفاح، رفعت القارة الإفريقية صوتها في مجلس الأمن، الذي عقد مناقشة عامة رفيعة المستوى تناولت سبل التصدي للظلم التاريخي الذي تعانيه إفريقيا وسبل تعزيز التمثيل الفعال لها في المنظمات الدولية، ولاسيما مجلس الأمن، الذي بات مشلولاً في السنوات الأخيرة، ولم يعد يقوى على فرض القانون الدولي أو يحفظ سمعته. وفي هذه الجلسة ركز المتحدثون، ومنهم رئيس سيراليون يوليوس مادا بيو، الذي تترأس بلاده المجلس الأممي هذا الشهر، على ضرورة تحديد مسار للتعامل مع إفريقيا بأوضاعها الحالية واستحقاقاتها، وطالب بأن يكون لإفريقيا، التي تعد نحو مليار و300 مليون نسمة، الحق في مقعدين دائمين بالمجلس وآخريْن مؤقتين، ما يسمح لهذه القارة بأن يكون لها رأي وموقف وكلمة في القضايا التي تهم شعوبها ومستقبلها. ويأتي هذا الطلب في سياق تغيير كبير في الواقع الجيوسياسي لهذه الحقبة التي يتحدث فيها الجميع عن نظام عالمي جديد بصدد التشكل، وهو نظام يفرض مراجعة الكثير من المعطيات السابقة، ومنها إعادة النظر في الأمم المتحدة ومؤسساتها الحالية، وأهمها مجلس الأمن، الذي تجاوزه الزمن وأصبح إرثاً ثقيلاً من مخلفات الحرب العالمية الثانية، وهو ما أكده الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بقوله إن العالم تغير فعلاً، لكن مجلس الأمن «لم يواكب ذلك قطّ».


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد