لا يقل قلق الحلفاء عن القلق الذي يشعر به جزء كبير من الحزب الديموقراطي إزاء الحالة الصحية، جسدياً وذهنياً، للرئيس جو بايدن، عقب المناظرة الرئاسية الأولى مع الرئيس السابق دونالد ترامب في 28 حزيران (يونيو) الماضي. وستكون قمة حلف شمال الأطلسي "الناتو" في واشنطن الخميس مناسبة، كي يستكشف قادة الحلف بأنفسهم ما إذا كان بايدن لا يزال لائقاً للاضطلاع بأعباء الرئاسة لأربع سنوات مقبلة.
قبل الأداء الكارثي لبايدن في المناظرة، أبدى قادة أوروبيون تشككهم بقدرته، في وضعه الحالي، على إلحاق الهزيمة بترامب المرشح الجمهوري المفترض. في قمة مجموعة السبع في إيطاليا، ألغى بايدن الكثير من المواعيد واللقاءات، وحصر الظهور المباشر أمام وسائل الإعلام بالنطاق الضيق. وهذا ما جعل قادة غربيين يبدون قلقهم ويتأكدون أكثر من أنهم يتعين عليهم الاستعداد فعلاً لمرحلة سيكونون مجبرين فيها على التعايش مع ترامب.
لم يفصح أي زعيم غربي علناً عن الظنون التي تساوره حيال الجدل الذي فجرته المناظرة الرئاسية في الداخل الأميركي. هناك تيار متصاعد في صفوف الديموقراطيين والمتبرعين، يفضل أن ينسحب بايدن من السباق الرئاسي قبل أربعة أشهر من الانتخابات الرئاسية، لعدم ثقتهم بقدرته على كسب الانتخابات، وحتى لو فاز، ثمة شكوك في إمكان إكمال ولايته الثانية. ولذلك، يفضلون الإتيان بمرشح آخر منذ الآن لمواجهة ترامب.
الحلفاء الأوروبيون ترعبهم فكرة عودة ترامب لسبب رئيسي وهو الحرب الروسية-الأوكرانية. ترامب يكرر أنه سينهي الحرب وهو رئيس منتخب، أي قبل تسلمه مهماته في كانون الثاني (يناير) 2025.
وترامب يعارض بشدة استمرار المساعدات الأميركية العسكرية والاقتصادية لأوكرانيا. وبما أن أميركا تتحمل العبء الأكبر من هذه المساعدات، يتسلل الخوف إلى قلوب الأوروبيين من احتمال أن يتخذ ترامب قراراً بوقف المساعدات، ما سيحمّل الأوروبيين عبئاً عسكرياً ومالياً لا قبل لدولهم بتحمله.
هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى، يخشى الزعماء الأوروبيون أن يرغم ترامب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على القبول بتسوية تتضمن تنازلاً عن الأراضي، ما يحقق أهداف الحرب الروسية، ويضع الدول الأوروبية في مأزق كبير، لأن النفوذ الروسي سيزداد في القارة.
لا تتوقف المخاوف الأوروبية عند هذا الحد. خلال رئاسته بين 2017 و2021، هدد ترامب بالانسحاب من الناتو واعتبره حلفاً عفّى عليه الزمن، وضغط على الدول الأعضاء كي تزيد مساهمتها المالية في موازنة الحلف إلى نسبة 2 في المئة من إجمالي ناتجها القومي. بعض الدول تجاوبت، بينما تلكأت أخرى. ترامب يهدد منذ الآن، بأن الولايات المتحدة لن تهب لنجدة أي دولة لا تدفع مستحقاتها، إذا تعرضت لهجوم روسي.
بكلام آخر، مصير الحلف الغربي الذي سيحتفل في قمة واشنطن بمرور 75 عاماً على تأسيسه، سيكون على المحك إذا عاد ترامب إلى البيت الأبيض. لذا، ثمة مصلحة للحلفاء الأوروبيين، باستثناء قلة منهم، ببقاء بايدن لولاية ثانية. وهم منذ الآن يراقبون كل يوم ما يمكن أن يسفر عنه الجدل حول صحة الرئيس، وآمالهم في أن يكون الرئيس الحالي قادراً على اجتياز استحقاق الانتخابات بسلام. والقمة الأطلسية، ستشكل اختباراً لبايدن لمعرفة ما إذا كان لا يزال لائقاً للقيام بالمهمة.
للحلفاء الأوروبيين مصلحة قوية في استمرار رئاسة بايدن لولاية ثانية، وهو الذي أعاد الناتو إلى الحياة بعد الحرب الروسية-الأوكرانية. وأي تغيير في البيت الأبيض، سينعكس حكماً على أوروبا التي أثبتت الحرب أنها لا تزال في حاجة ماسة إلى المظلة الأمنية الأميركية، لأن كل مشاريع بناء قوة أوروبية "مستقلة"، لم تتحقق على الأرض على رغم النداءات المتكررة في هذا الشأن.