يجب تقييم خطاب خامنه أي يوم الاثنين 3 حزيران (يونيو) في الذكرى السنوية لوفاة الخميني على أنه أحد خطاباته الرئيسية. يتضمن هذا الخطاب نقاطًا مهمة من حيث وجهة النظر الداخلية والإقليمية وحتى الدولية، لأنه يكشف بوضوح عن الأزمات والمأزق الشامل الذي يحيط بنظام ولاية الفقيه، وفي نفس الوقت يظهر سبب لجوء خامنئي إلى خلق الأزمات من أجل بقائه وبقاء نظامه.
ركز خامنئي في هذا الخطاب على موضوعين رئيسيين وحيويين لبقاء حكمه وقدمها وفقًا لنظامه الفكري ومنطقه الدكتاتوري.
أهم نقطة تناولها خامنئي صراحة وبشكل مباشر كموضوع خارجي وأقر بها وشدد على ضرورتها ولزومها هي العملية التي أطلق عليها اسم "طوفان الأقصى" من قبل حماس. وقال في بداية كلمته: "العملية التي سميت طوفان الأقصى التي حدثت في 7 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي كانت ضرورية للغاية للمنطقة. كانت منطقتنا بحاجة إلى هذه العملية، وهي كانت ردًا على حاجة كبيرة في المنطقة سأشرحها! حدثت عملية طوفان الأقصى بالضبط في اللحظة التي كانت المنطقة بحاجة إليها. في مثل هذه اللحظة الحساسة، بدأ هجوم طوفان الأقصى ودمر جميع خطط العدو! ألغت عاصفة 7 تشرين الأول (أكتوبر) الخطة المدروسة بعناية للعدو. مع الوضع الذي نشأ في الأشهر الثمانية الماضية، لا يوجد أمل كبير في إحياء هذه الخطة مرة أخرى. تم إنجاز عمل عظيم ومهم!".
هذه هي المرة الأولى التي يتحدث فيها خامنئي بوضوح وبشكل مباشر وبصراحة عن عمد هذه العملية بهدف إحباط خطط الأعداء.
يقصد خامنئي بعبارة "في الوقت المناسب وفي اللحظة المناسبة" فيما يتعلق بعملية "طوفان الأقصى"، كما قال الخبراء سابقًا، هو منع تقدم خطة السلام والتطبيع للعلاقات بين إسرائيل والسعودية والعالم العربي.
أثار هذا الاعتراف الصريح من خامنئي ردًا سريعًا من محمود عباس رئيس دولة فلسطين.
وذكرت وكالة وفا الفلسطينية للأنباء في الثالث من حزيران (يونيو) 2024 أن الرئيس عباس رد على خطابات خامنئي على قبر الخميني بالقول: "هذه التصريحات التي تهدف بوضوح إلى التضحية بدماء الشعب الفلسطيني بآلاف الأطفال والنساء وكبار السن وتدمير الأرض الفلسطينية لن تؤدي إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة بعاصمتها القدس الشرقية. لا يحتاج الشعب الفلسطيني الذي يقاتل منذ مائة عام إلى حروب لا تخدم آماله في الحرية والاستقلال وحماية القدس والمقدسات الإسلامية والمسيحية...".
من الجدير بالذكر أنَّ مضمون هذا الاعتراف من خامنئي قاله محمد مخبر، الذي شغل منصب رئيس الجمهورية المؤقت لولاية الفقيه حتى انتخاب رئيس جديد للجمهورية في 28 حزيران (يونيو)، على قبر الخميني:
"هذه المقاومة التي تحدث اليوم في غزة وعلى محور المقاومة هي إرث الإمام (الخميني) ربما لم يتم التركيز على هذا الموضوع بشكل كافٍ، فثقافة المقاومة ومدرسة المقاومة هي إرث الخميني"!.
موقف المقاومة الإيرانية من فلسطين؟
لطالما أعلنت المقاومة الإيرانية، التي تقاتل ضد النظام الفاشي الحاكم في إيران منذ عام 1981، مواقفها الواضحة والصريحة بشأن قضايا إيران والمنطقة والعالم.
ومن بين هذه المواقف، قال زعيم المقاومة السيد مسعود رجوي في رسالة بتاريخ 21 أيار (مايو) 2021 (جزء من الرسالة):
"كان الخميني وخامنئي أول الخائنين للقضية والقيادة الفلسطينية ومنظمة التحرير منذ عرفات. الطعن من الخلف، وإثارة الحروب، وإثارة الفرقة، وجعل القضية الفلسطينية درعًا واقيًا مع أقصى قدر من الخداع، هي الطريقة المعروفة للأخونديين للبقاء في ظل الديكتاتورية الدينية والإرهابية في إيران. خامنئي أكثر من أي شخص آخر يريد الحرب وإراقة الدماء وتصدير الرجعية والإرهاب في المنطقة.... يحدد خامنئي، بصفته خليفة وأب روحي لولاية فلسطين، "تعليمات" و"حلول مستقبلية" و"انتفاضة موحدة" للشعب الفلسطيني. كما يرى في وقف إطلاق النار في غزة مخرجًا مفيدًا في مواجهة حكم محكمة كندا أمس الذي أدان الإرهاب والعمد في إسقاط طائرة ركاب [أوكرانية]. النسخة "الانتفاضة الموحدة" التي يصفها خامنئي للشعب الفلسطيني ضرورية أكثر للشعب الإيراني، تصدير الانتفاضة إلى الخارج، خوفًا من الانتفاضة داخل إيران...".
سبب حاجة خامنئي لـ"طوفان الأقصى"؟
إذا لم يكن أحد على دراية كافية بثقافة الخداع والغش لولاية الفقيه، فسيعتبر هذه التصريحات من خامنئي علامة على قوته ونظامه. ولكن الحقيقة هي أن هذا الاعتراف هو علامة على ضعف خامنئي واستيصاله التام. لأنه بعد وفاة إبراهيم رئيسي، الذي كان المنفذ الكامل لأوامر ورغبات خامنئي داخل وخارج البلاد، عانى النظام الإيراني من خلاء في السلطة وانهار توازنه تمامًا. يحاول خامنئي ببراعة واستعراض للقوة إخفاء هذا الفراغ حتى لا ينهار أنصاره الداخليون، وبشكل خاص قواته المأجورة الإقليمية في سوريا والعراق ولبنان واليمن، ولا يتخلون عن ولائهم لنظام ولاية الفقيه.
علاوة على ذلك، فقد خاض النظام انتخابات ضعيفة للغاية بمشاركة منخفضة للغاية ويواجه انتخابات رئاسية صعبة للغاية لاختيار رئيس للجمهورية بدلاً من إبراهيم رئيسي.
في مثل هذه الظروف، يشهد خامنئي صراعًا مفتوحًا وخفيًا على منصب الرئيس بين عصابات نظامه. في الواقع، في اليوم الأول من افتتاح مجلس الشورى (البرلمان)، شوهدت خلافات حادة للغاية بين النواب المختارين والمنقين، لدرجة أن محمد باقر قالیباف رئيس المجلس اضطر إلى تأجيل الجلسات التالية للمجلس حتى 9 حزيران (يونيو)!
النتيجة: العزلة العالمية وصراع عصابات السلطة يوفران الفرصة للشعب والمقاومة الإيرانية للتغلب على النظام بأكمله الذي وصل إلى أضعف توازن ممكن.
بسبب هذه التحديات، اضطر خامنئي في أضعف موقف له إلى المخاطرة بإجراء انتخابات مزيفة وعرضية. علينا الانتظار قليلاً لمعرفة عدد المرشحين لمنصب الرئيس من بين 80 مرشحًا سيتجاوزون مرشح "مجلس صيانة الدستور"، وبعد ذلك هل سيكون خامنئي قادرًا على إخراج الرئيس الذي يريده من صندوق الاقتراع من خلال هندسته المعتادة ؟!
سيتم الرد على هذا السؤال في 28 حزيران (يونيو)!