منذ ثماني سنوات تقريبا، ومنذ انطلاق مسيرة المملكة نحو رؤيتها المباركة 2030 من خلال تنفيذ برامج التحول الوطني، والحكومة السعودية بأدواتها المتخصصة، عملت وتعمل على تنفيذ أكبر عملية إصلاح اقتصادي نوعي على مستوى العالم، الإصلاح الاقتصادي لا يعني بالضرورة وجود ضعف في الاقتصاد من حيث المدخول والإيراد، بل من حيث مصادر الإيرادات وكيفية استغلالها وتوظيفها لدعم الاقتصاد ضمان الاستدامة وتحقيق الربحية المتعادلة، من خلال تنفيذ برامج وسياسات واستثمارات، تجعل من الاقتصاد الوطني قويا متكاملا، وغير خاضع لسيطرة مصدر إيرادي واحد، سواء كان النفطي أو غيره، وهذا تم العمل عليه منذ ثمانية سنوات من خلال فتح بوابة الاستثمار في مجالات بشرية وموارد معدنية أخرى غير البترول، وكذلك استثمارات تجارية عالمية نوعية أخرى تنفذها المملكة.
البنك الدولي مؤخرا، وبعد ظهور النتائج المبهرة للإجراءات الإصلاحية التي نفذتها المملكة، بدأت تعمل على تأطير هذه الإجراءات لصناعة نموذج إصلاحي اقتصادي يعمم على مستوى العالم، وهذا ما ينوي البنك الدولي عمله بالتعاون مع المملكة من خلال إنشاء مركز للمعرفة، هذا المركز يهدف إلى دعم المؤسسات الاقتصادية للدول التي تحتاج إلى إصلاحات اقتصادية، ويكون الدعم من خلال تقديم المشورة اللازمة وعقد دورات أو توفير مناهج بشرية أو تعليمات تساعد على إجراء إصلاحات اقتصادية وتعزيز قدرات هذه الدول التنافسية إن رغبت في ذلك، وكل هذا يتم من خلال الالتزام بالمعايير والمؤشرات الدولية.
فعليا تم الإعلان عن هذا المركز في العاصمة الأمريكية واشنطن، وذلك على خلال اجتماعات الربيع التي ينظمها عادة صندوق النقد والبنك الدوليان، يستهدف نشر ثقافة الإصلاحات الاقتصادية التي قامت بها المملكة، مضاف إليها نتائج خبرات البنك الدولي التي لأكثر من 50 عاماً، ومن المتوقع أن يكون يعمل هذا المركز على تمكين الرياض لتصبح حاضنة للمراكز الدولية، والمقار الإقليمية للشركات العالمية، مما يعزز عملية استدامة عملية التطوير المستمرة، وتحفيز جميع القطاعات لتحقيق التنافسية والالتزام بها كقاعدة للتنمية الاقتصادية، خاصة وأن السعودية كانت قد حققت المرتبة 17 عالمياً من أصل 64 دولة الأكثر تنافسية في العالم، لتصبح من الدول الـ20 الأولى في تقرير الكتاب السنوي للتنافسية العالمية، الصادر عن مركز التنافسية العالمي التابع للمعهد الدولي للتنمية الإدارية. وتقدمت 7 مراتب في نسخة عام 2023، مدعومة بالأداء الاقتصادي والمالي القوي في عام 2022.
وزير التجارة رئيس المركز الوطني للتنافسية الدكتور ماجد القصبي أعلن أن المركز المنوي إنشاؤه يمهد لمزيد من التعاون الإقليمي والعالمي في مجالات التنافسية.. كذلك صرح وزير الاقتصاد والتخطيط فيصل الإبراهيم أن إعلان مجموعة البنك الدولي اختيارها المملكة مركزاً للمعرفة يؤكد أهمية الدور الريادي العالمي للمملكة، وإنجازاتها التي أتت من خلال سعيها الدؤوب لتمكين الدول من بناء قدرات مؤسسية تجعلها أكثر قدرة على التكيف اقتصادياً مع المتغيرات العالمية.
لا شك أن المملكة تقطف اليوم ثمار الإصلاحات الاقتصادية التي نفذتها خلال السنوات الماضية، وما نشهده اليوم من نمو وتطور في أدوات وأساليب ومدخلات ومخرجات الاقتصاد السعودية لخير دليل على ذلك، إضافة الى ما حققته المملكة في البنية التحتية التشريعية المعزز والمحافظ والمنظم للعمل الاقتصادي وإصلاحاته المستمرة، وكل هذا لم يكن ليكون لولا توفيق الله عز وجل أولا، ومن ثم الدور الذي قام به سمو سيدي ولي العهد يحفظه الله، الذي بتوفيق الله طبعا، تمكن من امتلاك وترسيخ القناعة التامة التي مفادها اننا نقدر وأساسها أننا نمتلك ما يمكننا من إحداث التغيير المطلوب، وصناعة المستقبل منذ اليوم.