: آخر تحديث

أميركا تدفع المنطقة إلى الهاوية

2
3
2

أثبتت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن في الأيام الأخيرة، أنّها قادرة متى أرادت، على الضغط على إسرائيل لخفض التصعيد، بعدما نجحت في ذلك، ولو موقتاً، بين طهران وتل أبيب. فلماذا تتقاعس هذه الإدارة عن ممارسة ضغط مماثل على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لوقف الحرب المدمّرة على غزة؟

مرّت أكثر من 7 أشهر على حرب غزة، ونتنياهو يماطل ويراوغ ويناور، كي لا يوقف الحرب، لأسباب ليست عصية على فهم أي مسؤول أميركي، وهي أنّ استمرار القتال يؤمّن لنتنياهو حبل نجاة من المحاسبة على إخفاق 7 تشرين الأول (أكتوبر).

وعلى رغم أنّ مماطلة نتنياهو، ترتد على الولايات المتحدة نفسها التي تزداد صورتها الأخلاقية تشوّهاً في العالم، بسبب حرب الإبادة التي تُرتكب بحق الغزاويين وصولاً إلى تفشي الجوع والأمراض من دون أن يخفف من ذلك، ما بذل حتى الآن من جهود غير كافية للتعامل مع كارثة إنسانية لم يعرف العالم لها مثيلاً منذ عقود، لا من حيث أعداد الضحايا ولا من حيث نسبة الدمار.

والحرب لن تتوقف من دون ضغط أميركي ملموس. لكن الوقائع تثبت العكس مع تزخيم بايدن الجسر الجوي العسكري لإسرائيل، خصوصاً بعد الضربات المتبادلة مع إيران. والحماية الدبلوماسية المستمرة، وآخرها استخدام الفيتو لإسقاط مشروع قرار تقدّمت به الجزائر في مجلس الأمن لمنح فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة.

في معرض تبريرها إسقاط مشروع القرار، اعتبرت واشنطن أنّ منح العضوية الكاملة لفلسطين لا يتمّ إلّا عبر المفاوضات المباشرة بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، علماً أنّ الدولة العبرية نفسها نشأت بموجب قرار الأمم المتحدة الرقم 181، ولم تنشأ من طريق التفاوض مع الفلسطينيين أو الدول العربية. واشترط القرار ذاته أن تكون هناك دولة فلسطينية أيضاً على أرض فلسطين التاريخية، ونص القرار 194 على عودة اللاجئين الفلسطينيين، الذين هجّرتهم إسرائيل في حرب 1948.

دلّ الفيتو الأميركي إلى أنّ الولايات المتحدة نفسها غير جاهزة للقبول بدولة فلسطينية. إذ ماذا يضير المفاوضات المباشرة التي تتحدث عنها وهي غير موجودة منذ عقد، لو كانت تجري بين دولة ودولة، عوض أن تكون بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل؟

المسألة برمتها عند أميركا. ولذلك، هي تخلق الأعذار كي لا تقدم على خطوة ملموسة نحو تحقيق حل الدولتين، على رغم أنّه لا يكاد يخلو تصريح لمسؤول أميركي من دون التشديد على هذه المسألة. بيد أن الكلام شيء والواقع شيء آخر.

وبات من نافلة القول إنّه طالما أميركا غير مستعدة لممارسة ضغط فعلي على اسرائيل، فإنّها لن تقبل حتى بالتفاوض مع الفلسطينيين، فكم بالحري القبول بإقامة دولتهم على حدود الرابع من حزيران (يونيو) 1967.

وحتى بموجب المنطق الأميركي القائم على حماية إسرائيل عسكرياً وسياسياً من أجل انتزاع تنازلات منها في ما يتعلق بوقف حرب غزة أو فتح مسار سياسي أمام الفلسطينيين، لا يستقيم مع التطورات على الأرض.

وهذه إسرائيل تعاود احتلال غزة، ومستوطنوها يعيثون فساداً بالضفة الغربية، يقتلون ويدمّرون ويحرقون تحت حماية الجيش الإسرائيلي، وجلّ ما فعلته أميركا وأوروبا هو الاكتفاء بالإدانة واختيار بضعة مستوطنين لفرض العقوبات عليهم!

إنّها سياسة بمنتهى الغرابة وغير مقنعة لكل ذي عقل وبصيرة.

وتزداد الأمور تعقيداً مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، حيث تندلع المنافسة بين بايدن والرئيس السابق دونالد ترامب حول كسب الأصوات المؤيّدة لإسرائيل. وهذا يعني أنّ بايدن سيُظهر تسامحاً مع نتنياهو وسخاءً استثنائياً في المساعدات العسكرية والاقتصادية والحماية الدبلوماسية.

كيف سينعكس كل ذلك على حرب غزة؟ لم يعد المرء في حاجة إلى التخمين... مزيد من المجازر والدمار ودفع الشرق الأوسط كله إلى الهاوية التي تحدث عنها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أمام جلسة مجلس الأمن الخميس الماضي.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد