من باب الفضول، بحثتُ عن معلومات حول مدن اشتهر أهلها بالكرم، فوجدتُ حساباً على «فيسبوك» يختار صاحبه في كل مرة بلداً عربياً، ويسأل المتابعين: قولوا بصراحة ما هي المدينة التي يشتهر أهلها بالكرم أكثر من سواهم في بقية البلد؟ وتتوالى الإجابات مع بعض الشروح عن السبب، أو الأسباب التي تحمل أحدهم، أو إحداهنّ، على اختيار أهل مدينة بعينها لوصفهم بالكرم.
قادني البحث أيضاً إلى معلومات متفرقة عن مدن، عربية وغير عربية، يوصف أهلها بالبخل، ولأننا نعلم ما قد يثيره إيراد الأمثلة عن المدن الكريمة والبخيلة، فإننا سنتحاشى ذلك، فلو ذكرنا اسم مدينة قيل عن سكانها إنهم أهل كرم، سيحتجّ من ينتسبون للمدن الأخرى، لأنهم يعتقدون أنهم كرماء أيضاً، وإنْ أوردنا أمثلة على مدن وُصف أهلها بالبخل، فسيحتجّ من ينتمون إليها، مشككين في صحة المعلومة.
التعميم عادة منبوذة. في كل مدينة، أو بلد، بخلاء وكرماء، طيّبون وأشرار، أذكياء ومحدودو الذكاء، وإن كانت بعض المجتمعات لا تجد حرجاً في وضع هذه التصنيفات، أحياناً، على سبيل الطرفة. والمؤكد أن للبيئة أثرها في تكوين طبائع الأفراد، فسكّان السواحل يختلفون، في بعض السمات، على الأقل، عن سكان المناطق الجبلية، أو الصحراوية، أو الزراعية، ولسكّان الجزر الصغيرة سمات تُميّزهم عن أهل البلدان الكبيرة.
حفّزتنا على ذكر كل هذا دراسة أجريت في ألمانيا، لتحديد سلوكات أهل المدن فيها، بخاصة في الجزء المتعلق بطريقة التعامل، لتحديد «أي مدينة يتميز سكّانها باللطف في التعامل مع الآخرين، وأيّها تضمّ من هم أكثر عدوانية»، بالاعتماد على تقييم جوانب من السلوك اليومي للسكان في الأماكن العامة. وتبيّن، حسب الدراسة، أن هناك 10 مدن ألمانية يتسم أهلها باللطف، بينما تقع 9 مدن أخرى على الجانب الأكثر عدوانية.
اعتمدت الدراسة على استطلاع، استمرّ لمدة عام، لآراء الأشخاص الذين يعيشون في المدينة المعنيّة، باعتماد معايير، من بينها: الحديث بصوت مرتفع بالهاتف المحمول، عدم السماح للآخرين بالمرور في الأماكن العامة، عدم التباطؤ بالقرب من ممرات المشاة، الضوضاء في الأماكن العامة، تجاهل الغرباء، لغة الجسد، عدم احترام المسافة الشخصية، وغيرها من المعايير التي لا يتسع الحيز لذكرها كاملة.
خلصت الدراسة إلى أن معظم المدن الألمانية لا تزال دون المتوسط في مجال اللطف، لكن برزت مدن تميزت بلطف سكّانها مقارنة مع سكان بقية المدن، بينها دويسبورغ، هامبورغ، دوسلدورف، لايبزيغ، مونستر، بون، نورنبرغ، هانوفر، وإن كان ذلك لا يعني أن جميع السلوكات هناك رائعة. في الواقع، تبين أن «الانشغال بالهاتف المحمول في الأماكن العامة، وتجاهل الآخرين، هو السلوك غير اللطيف الأكثر شيوعاً في ألمانيا».