تصاعدت في الأيام الأخيرة، العمليات العسكرية الروسية على أوكرانيا، مستغلة انشغال الإدارة الأمريكية وحلفائها، بأمور أخرى، أكثر أهمية لمصالحها الحيوية، على رأسها حرب الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل، على قطاع غزة، منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر، من العام الماضي. وفي المقابل، ترد أوكرانيا، بعمليات انتقامية، ضد روسيا الاتحادية.
خلال عطلة الأسبوع المنصرم، يوم الجمعة، أعلن تنظيم «داعش - خراسان»، تبنيه عملية إرهابية، على قاعة «كروكس سيتي» للحفلات الموسيقية في موسكو، تسببت في انهيار سقف القاعة نتيجة اندلاع النيران. وقد أسفرت العملية عن مصرع 143 شخصاً، ونحو 150 جريحاً. لكن الكرملين، كانت له رواية أخرى، فقد أشارت بياناته الأولى، إلى أن جهاز الأمن الفيدرالي، يعمل على تحديد الجهة المتواطئة مع الهجوم الإرهابي. لكنه في مرحلة لاحقة، اتهم أوكرانيا، بشكل مباشر، بالوقوف خلف تلك العملية، حيث أشار جهاز الأمن الروسي، إلى أن المشتبه بهم في الهجوم، خططوا لعبور الحدود، وكانوا على تواصل مع أشخاص على الجانب الأوكراني.
في هذا السياق، أعلن رئيس بلدية موسكو سيرغي سوبيانين إلغاء كل الفعاليات العامة، كما أعلنت المتاحف والمسارح الرئيسية في العاصمة، إغلاق أبوابها. وتم تعزيز الإجراءات الأمنية، في المطارات، بحسب التلفزيون الروسي.
ورغم أن تنظيم «داعش» أعلن مسؤوليته عن تنفيذ هذه العملية، لكن الكثير من المحللين السياسيين لا يستبعدون وجود علاقة لأوكرانيا بالعملية، خاصة أن أحداث الماضي قد أكدت أن «داعش»، هي مشروع للإيجار، وأنها نفذت في السابق، عمليات عسكرية في العراق وسوريا، وعدد آخر من البلدان، لجهات متعددة ومختلفة، في استراتيجياتها وتوجهاتها السياسية.
ورغم أن معظم دول العالم، استنكرت العمل الإرهابي، ووصفته الولايات المتحدة بالهجوم المسلح المروع، وأبدت فرنسا تعاطفها مع ضحايا الحادث، كما دانت إيطاليا العملية الإرهابية، وقدم الرئيس الصيني، شي جين بينغ تعازيه إلى نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، فإن من المتوقع أن التعاطف الأمريكي والأوروبي، لن يستمر طويلاً، خاصة إذا ثبت ضلوع الجانب الأوكراني في تلك العملية. وفي الوطن العربي، دانت معظم بلدانه، العملية الإرهابية، وأبدت تعاطفها مع الشعب الروسي.
العملية ذاتها، ربما تكون الأكبر والأعنف، التي تشن ضد روسيا، منذ ما أطلقت عليه موسكو العملية العسكرية الخاصة، ضد أوكرانيا، في 24 تشرين الأول/ أكتوبر 2022. ولذلك يتوقع أن يرقى الرد الروسي عليها بقوة، بما يتناسب مع حجمها، خاصة إذا تأكد للكرملين من وجود علاقة مباشرة لكييف بها.
من غير المتوقع أن يستمر التعاطف الذي أبداه المجتمع الدولي تجاه روسيا، على إثر العملية الإرهابية، إذا ما حسمت روسيا موقفها، وتأكد لها أن أوكرانيا تقف خلف هذا الهجوم، وقررت الرد على ذلك الهجوم. فأمريكا والدول الأوربية، لا تخفي موقفها من الحرب الروسية على أوكرانيا، وتقدم بالعلن، كافة أشكال الدعم العسكري واللوجستي والسياسي، لحكومة زيلينسكي. بل إن بعضهم يرى أن أوكرانيا، تحارب بالوكالة عن المصالح الغربية. وقد ناقشنا ذلك، في أحاديث سابقة، ولن نعود لتفاصيله مرة أخرى.
فالعملية العسكرية الخاصة، التي شنتها روسيا الاتحادية، كانت في الأساس، رداً على محاولة الحكومة الأوكرانية، الانضمام إلى حلف الناتو، والاتحاد الأوروبي. وذلك ما اعتبرته إدارة الرئيس بوتين، تهديداً مباشراً لأمنها القومي، وخرقاً لاتفاق شفهي، على إثر انهيار الاتحاد السوفييتي، في مطالع التسعينات من القرن الماضي، بعدم توسع حلف الناتو شرقاً.
لقد ضربت الولايات المتحدة بذلك الاتفاق عرض الحائط، وقامت بضم جميع بلدان أوروبا الشرقية، للحلف، ولم تكتفِ بذلك، بل إنها ضمت إلى الحلف معظم جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق.
وقف الرئيس بوتين، بقوة ضد أي محاولة لضم أوكرانيا إلى حلف الناتو، رغم غضه النظر عن انضمام عدد آخر، من جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق للحلف، وذلك بسبب مواريث تاريخية، تربط أوكرانيا بروسيا، ولاعتقاد راسخ لديه، بأن المواريث الثقافية واللغوية التي تربط روسيا بأوكرانيا، تجعلها ضمن مناطق مصالحها الحيوية.
وقد حملت تصريحات الرئيس الروسي، ونائبه تجاه علاقة أوكرانيا بروسيا، ما هو أكثر من ذلك، حيث تكرر الحديث عنها باعتبارها جزءاً من الأراضي الروسية. ولذلك لا يستبعد قيام روسيا، في حالة تأكدها من وجود علاقة مباشرة لأوكرانيا بالهجوم الإرهابي على أراضيها، أن تقوم باجتياح شامل للأراضي الأوكرانية، تنتهي بضمها إلى الأراضي الروسية. هذا الاحتمال يظل قائماً بقوة، إذا ما اعتقدت الإدارة الروسية، أن وجود أوكرانيا دولة مستقلة، ومرتبطة بالغرب، وأنها وقفت خلف الهجوم الإرهابي الأخير على موسكو، بما يشكل تهديداً حقيقياً ماثلاً تجاهها. إن مثل هذه الخطوة، سوف تقلب المشهد رأساً على عقب، ومن شأنها أن يتحول التعاطف الذي أبداه الغرب، مع موسكو، على إثر العملية الإرهابية إلى نقيضه.
وليس من المستبعد في هذه الحالة، أن تتدخل الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي عسكرياً، بشكل مباشر، لدعم حكومة فولوديمير زيلينسكي والحيلولة دون سقوط أوكرانيا في حضن روسيا الاتحادية، بما يشكل تهديداً حقيقياً للسلام العالمي، نأمل من القلب، أن يدرك العقلاء في العالم، مخاطره، ويعملوا على تفاديه.