ما هذه الفكرة الغرائبيّة التي لعبت بتوازن القلم، فانفلت من موازين الحصافة في الصحافة؟ كان حتى قبل هنيهة هانئاً، فجأة فاه فوه: ماذا لو انبرى للطبيعة الكونية، بعض عناصر جدول ماندلييف خارجاً عن قوانين الخلق وشرائعه، مثلما فعل الرّجيم إبليس، وتفعل النفس الأمّارة بالسوء؟ ماذا لو تصرّفت عناصر كيميائية، جوهريّة أو دون ذلك، على طريقة ما تفعله دول تدّعي أنها هي الشرعية الدولية، وأنها الخير وغيرها الشرّ كلّه؟
العناصر الضرورية للحياة ستّة: كربون، هيدروجين، أوكسجين، نيتروجين، فوسفور، كبريت. ويل للحياة لو خطر لأحدها أن يتمرّد. لو حدث ذلك، ما كان الكون هو الكون الذي كان مُهيّأً، بتقدير قدير عليم، لاحتضان الحياة، بعد أكثر من ثلاثة عشر مليار عام على الانفجار العظيم. نحتاج إلى موسوعة علمية لكي ندرك أبعاد الآية الكريمة: «إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ» (القمر49).
في وحدة الخلق لا وجود لأكبر كبير وأصغر صغير. هذه نسبيّات بشريّة، وإلاّ فما سرّ ظمأ العلماء إلى «نظرية الكلّ»، التي تتحد فيها القوى الأربع. ما كان للحياة أن ترى النور لو كانت سرعة الضوء أسرع أو أبطأ. كان ظهورها محالاً لو كانت المسافة إلى الشمس أبعد أو أقرب، التجمد أو الاحتراق. لو كان القمر قريباً جدّاً لارتفعت أمواج المحيطات مئات الأمتار بتسونامي الفناء. لو كانت الجاذبية أثقل أو أخف لاستحالت الحياة. كذلك هي علاقة الكواكب بالمنظومة، وصلات المنظومات بالمجرّة، والأواصر بين المجرّات . لكن عالمنا لا يتجزأ، ولا الكون قابل للتجزئة. لو كانت سرعة الإلكترونات حول نواة الذرّة أسرع أو أبطأ، ما كان للحياة أن تظهر، ولو التصقت الإلكترونات بالنواة، لاحتاجت إلى مجهر ذرّي لرؤية الجبل، فكم تكون كتلة جنابك؟ « وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا» (الفرقان 2).
هل ينبغي للقلم أن ينسى أصل الموضوع؟ الحمدلله على أن خصّ العناصر الكيميائية بالانضباط والمسؤولية والأمانة الوظيفيّة، وإلاّ فتخيّل الكوارث لو أراد الهيدروجين أن يسلك سلوك الإمبراطورية: أنا الأوّل والأقوى. في حين أن الهيدروجين منذ 13.8 مليار سنة وهو على خُلق رائع. منه ثلثا نعمة الماء، و10% من ذرّات الجسم البشري. هل يستطيع الآدميون أن يؤسسوا منظمات عالمية لا تقدر قوة على انتهاك قوانينها؟
لزوم ما يلزم: النتيجة التفاؤلية: هذا ليس خيالاً علميّاً، فالصبح قريب، حين يتولى الذكاء الاصطناعي مقاليد الكوكب.