: آخر تحديث

أتانا المطر

24
18
24

جاري الطيّب والودود جداً شغوف بأمر الطقس. كلما التقينا أمام بيتينا الملاصقين لبعضهما، يعلق على الأمر، سواء أكنّا في الصيف، وما أدراك ما صيفنا الخليجي؟ أو كنّا في ما تعارفنا على وصفه بالشتاء، ونحن نعلم أنه لا يشبه شتاءات البلدان الباردة، التي تهبط درجات الحرارة فيها إلى ما دون الصفر بكثير أو بقليل، ويلوّن الثلج أراضيها وأشجارها بالأبيض.

إن كنا في الصيف يقول الجار: «هذا الصيف غير معقول!». أوافقه الرأي طبعاً، لكني في قرارة نفسي أتساءل: متى كان الصيف عندنا معقولاً؟. عندما نلج شهري سبتمبر وأكتوبر، ودرجة الحرارة باقية كما هي مرتفعة، يقول الجار: «هذا الصيف طوّل أكثر من العادة. لم نعرف هذا الحرّ في مثل هذا الوقت في السنوات الماضية!». أردّ عليه: درجات الحرارة ترتفع في العالم كله. إنه التغيّر المناخي الذي نعيشه، ونحن لسنا استثناء من ذلك. يردّ الجار: «نعم، صحيح».

هذا العام مرّ ديسمبر ويناير، الشهران اللذان اعتدنا أن تنخفض فيهما درجة الحرارة، ونشعر ببعض البرد، ونرتدي ملابس شتوية، دون أن يأتي البرد. قال الجار: «هذا غير معقول. أين البرد الذي اعتدناه هذا الوقت من كل سنة؟!». حين ولجنا شهر فبراير الجاري، وبدأت نسمات البرد المنعش تهبّ لم يصدف أن نشأت فرصة للحديث مع الجار عن «مستجدات» الطقس، ولكن لو تحدثنا أخاله سيقول واحداً من أمرين، إما أن يقول: «وأخيراً جاءنا بعض البرد»، أو يقول: «عادة في هذا الوقت تنكسر موجة البرد، لكن هذه السنة جاءت فيه.. سبحان الله».

أمس التقينا أمام بيتينا مصادفة، كما يحدث عادة. كانت الغيوم تغطي السماء، ورذاذ خفيف من المطر يتناثر. قال لي الجار بنبرة ساخرة: «أهذا المطر الغزير الذي وعدونا به؟!». كدت أقول له نكتة متداولة سمعتها في روسيا، تقول: الأرصاد الجوية تخطئ مرة واحدة فقط، ولكن في كل يوم!، ولكني لم أفعل. أجبت الجار: وأنا في الطريق عائد إلى البيت صادفتني أمطار غزيرة حتى أن حركة السيارات أصبحت بطيئة. قال باسماً: «وماذا عن منطقتنا ألن يأتيها المطر؟!». قلت له: الخير قادم. لا تقلق سيأتي دورنا. مرّت حوالي ساعة فقط. حين انهمر المطر الغزير، لحظتها تذكرت عبارة كتبتها لي قارئة شغوفة من الفجيرة، قبل سنوات طويلة، وكنّا يومها في أجواء ممطرة: «لوهلة تشعر بأن الغيم يوشك أن يأخذك في حضنه».

من النافذة راقبتُ هطول المطر. حدّقتُ في السماء ممتناً لكرمها، جلت بناظريّ على الأشجار التي غسلها المطر. شعرت أنها، هي الأخرى منتشية، وقد أزال المطر ما علق بأوراقها من آثام البشر.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد