: آخر تحديث

معادلة الأمن الأميركية تطفئ الحرب الإسرائيلية... كيف ستظهر "حماس" و"حزب الله" تحت الهدنة؟

10
8
9

التحرك الدولي الضاغط للتوصل إلى هدنة واطلاق عمليات التفاوض لانجاز صفقة تبادل الأسرى والمختطفين، وأيضاً لمنع اشتعال الحرب على جبهة جنوب لبنان، يعود لسبب رئيسي هو أن الدول الكبرى التي غطت الحرب الإسرائيلية على غزة ودعمت إسرائيل بعد عملية طوفان الأقصى في 7 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، لم تعد قادرة على توفير الذرائع لاستمرار الاحتلال الإسرائيلي في حربه التدميرية، خصوصاً مع تصاعد الاعتراضات الشعبية من أوروبا إلى أميركا رفضاً للمجازر المرتكبة بحق الفلسطينيين وتحول الحرب إلى إبادة جماعية وتهجير متعمد لهم.
 
والأهم أن إسرائيل باتت عاجزة عن تحقيق أهدافها في ظل الخسائر التي تكبدتها رغم التدمير وعمليات القتل، وهي ووجهت بمقاومة شرسة من مقاتلي "حماس" التي حضرت بنية تحتية عسكرية في الأنفاق يمكنها القتال من خلالها لفترات طويلة. ولذا فإن استمرار الحرب بعد نحو 110 أيام على انطلاقتها قد يرتب تداعيات إقليمية ودولية لا يمكن تدارك نتائجها.
 
إقرار الهدنة في غزة إذا استكملت بنودها في ضوء الاتصالات الدولية والحركة الأميركية الدبلوماسية إلى المنطقة والتي يقودها وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، لا يعني انتهاء الحرب لكن الهدنة ستفتح آفاقاً لإعادة تقييم الوضعين السياسي والميداني لدى إسرائيل و"حماس"، وما قد ترتبه من انعكاسات عليهما في المرحلة المقبلة. وإذا كان الحديث عن الهدنة لم يتطرق إلى جبهة جنوب لبنان حتى الآن، إلا أن التحركات الدولية نحو بيروت وآخرها زيارة وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون والزيارة المتوقعة لوزير الخارجية الفرنسي الجديد ستيفان سيجورني الأسبوع المقبل، وأيضاً الجولة الجديدة المرجحة للمبعوث الأميركي آموس هوكشتاين إلى لبنان وإسرائيل، تطرح تهدئة الجبهة وإعادة الاستقرار إلى الجنوب بالتوازي مع الدعوة الى تطبيق القرار 1701 والبدء في التفاوض بشأن الحدود البرية بما في ذلك المطالبة بمنطقة أمنية تبعد "حزب الله" مقابل انسحاب إسرائيل من النقاط المحتلة في جنوب لبنان.
 
الترجيحات تدل على إمكان تحقيق الهدنة في غزة، بفعل الضغوط الأميركية الكبيرة. وإذا كان من السابق لأوانه الحديث عن نجاح كامل للهدنة بمراحلها الثلاث وفق ما هو مقترح بدءاً بإطلاق متبادل لدفعات من الأسرى الفلسطينيين مقابل عدد من مجندات وجنود الاحتياط، ثم تثبيت وقف اطلاق النار وبدء مفاوضات سياسية وصولاً إلى البحث في حل سياسي يعاد من خلاله تشكيل السلطة الفلسطينية وحكومتها، فإن الإدارة الأميركية باتت مقتنعة أن إسرائيل لم يعد في إمكانها تحقيق إنجازات كبرى من وراء الحرب، إلا إذا استمرت في دفع الفلسطينيين إلى الحدود مع مصر، ما سيؤدي إلى أزمات لا تستطيع استيعابها. وبالتالي قد يؤدي استمرار التصعيد الإسرائيلي والحرب المفتوحة التي يلعبها نتنياهو ورفضه لأية حلول إلى استدراج الأميركيين لحرب في المنطقة لا تريدها. وهو أمر ينطبق على جبهة لبنان مع إصرار حكومة الاحتلال على شن هجوم عسكري ضد "حزب الله" يستهدف لبنان ومنعت واشنطن تنفيذ أكثر من سيناريو له، خصوصاً في ظل الخلافات الإسرائيلية الداخلية واللعب على ضغوط سكان المستوطنات الشمالية.
 ومع اقتراب الوصول الى اتفاق الهدنة في غزة، يتبين أن إسرائيل لا تريد شمولها جبهة جنوب لبنان، وفي المقابل يصر "حزب الله" أيضاً على رفض البحث في أي ملف أو ترتيبات أمنية أو التفاوض من دون وقف اطلاق نار نهائي في غزة. وعليه يبدو أن جبهة جنوب لبنان مرشحة لأن تكون ساحة غير مستقرة بعد هدنة غزة، خصوصاً مع المواقف الإسرائيلية التي عبر عنها وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، بقوله إن تل أبيب لن توقف إطلاق النار عند الحدود مع لبنان ضدّ "حزب الله" حتى لو توقف إطلاق النار في غزة، مشيراً إلى أن إسرائيل تقوم بجهود مهمة في الشمال من بينها المساعي السياسية التي تهدف لتمكين سكان المستوطنات المحاذية للبنان من العودة إلى منازلهم بأمان.
 
الواقع في غزة يختلف عن جنوب لبنان، إذا كان الحديث عن الهدنة يهدف للانتقال إلى حل سياسي، خصوصاً وأن "حماس" بات لديها القابلية للدخول في مفاوضات رغم الشروط المرتفعة السقف، لكنها باتت اليوم تقبل بحل الدولتين، وخياراتها أكثر مرونة، بعدما حوصرت دولياً وأصبحت غير مقبولة كطرف يمثل الشعب الفلسطيني، علماً أن ثمة أسئلة كثيرة باتت تطرح على المستوى الفلسطيني عما تحقق بعد عملية طوفان الأقصى، وهل كانت الحركة تتوقع أن تصل الأمور الى هذا الوضع في قطاع غزة؟
 
اختلاف الملف اللبناني يعود إلى أن الجنوب الذي حوله "حزب الله" الى جبهة مساندة لغزة عبر وحدة الجبهات، هو ساحة متصلة بالإقليم، وأي حرب قد تشعل المنطقة بأكملها على الرغم من أن إيران لا تريدها، بمعزل عن تحريك حلفائها وأذرعتها في تنفيذ عمليات ضد الأميركيين. ولذا تتركز الرسائل الدولية على ضرورة تجنب الحرب وتطبيق القرار الدولي 1701 والبدء بمفاوضات لتثبيت الاستقرار، مع رسائل واضحة لـ"حزب الله" بضرورة وقف القتال وعدم الانجرار الى الحرب كونه قد يدفع لبنان إلى منحدر خطير. ويبدو أن هناك رهاناً دولياً على جولة هوكشتاين المقبلة إلى إسرائيل ولبنان في إطار استمرار المساعي لتجنب التصعيد بين اسرائيل و"حزب الله"، خصوصاً وأنه سيحاول الاستفادة من أي هدنة في قطاع غزة لانسحابها على جبهة الجنوب.
 
الواقع يشير إلى أن "حزب الله" لن يستطيع إبقاء جبهة الجنوب مفتوحة في ظل الهدنة المتوقعة في غزة والتي قد تؤدي الى وقف اطلاق النار. وفي سياق ما يجري تداوله أن الحزب قد يوقف عملياته العسكرية مع الهدنة، لكن ذلك لن يعيد سكان المستوطنات الإسرائيلية الى منازلهم، ما يعني أن التهديدات الإسرائيلية ستبقى قائمة في الجنوب.
 
وقد بات واضحاً أن العمليات الحالية باتت روتينية ولم يعد لها تأثير كبير في مساندة غزة وهو ما يستوجب تغيير الاستراتيجية التي يعتمدها "حزب الله". فالضغط في المرحلة الأولى أدى وظيفة محددة، لكن مراجعته اليوم باتت ضرورية عبر قراءة الجدوى وحدود تأثيره، وقياس الخسائر والأرباح، إلا إذا كان "حزب الله" مصراً على اعتبار معركته تتم باسم كل اللبنانيين، ويرى ضرورة لذلك ويعتبر أن ما أنجز يعتبر انتصاراً لمحور المقاومة، وللمرجعية الإيرانية التي تدعم وحدة الجبهات، وحساباته تتخطى حدودها اللبنانية.
 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد