: آخر تحديث

حرب إسرائيلية "متغيّرة" تهدد لبنان... اغتيالات وتدمير واستدراج لـ"حزب الله"؟

6
6
6

تستمر المواجهات في جبهة جنوب لبنان بين "حزب الله" وجيش الاحتلال الإسرائيلي، ويبدو أنها مرشحة لمزيد من التصعيد خلال الفترة المقبلة على وقع خطر نشوب حرب قد تقررها إسرائيل للخروج من المأزق الذي تعانيه جبهتها الداخلية جراء الخلافات داخل مجلس الحرب وفي حكومة بنيامين نتنياهو. اللافت أن إسرائيل عادت في تصعيدها إلى المرحلة الأولى في حربها من خلال استهداف كوادر عسكرية في "حزب الله" وعناصر مؤثرة في مناطق بعيدة عن الحدود، واغتيالهم عبر الطائرات المسيّرة بالتزامن مع قصف مواقع، وهو مؤشر إلى أنها تريد توسيع المعركة واستدراج الحزب أكثر إلى مواجهات كبرى.
 
مع استمرار الحرب الإسرائيلية على غزة، والتي يبدو أنها ستطول لتحقق إسرائيل بعض أهدافها المعلنة، ليس بإنهاء "حماس" حصراً والتي لا تزال تقاتل بمعزل عن الخسائر التي تكبدتها، إنما بفرض واقع جديد في القطاع لن يكون كما قبل 7 تشرين الأول (أكتوبر) ليصبح معه الفلسطينيون غير قادرين على العودة إلى مناطق سكنهم. فقد دمرت إسرائيل كل أشكال الحياة في القطاع، غير آبهة بردود الفعل الدولية والمواقف التي تدعو إلى وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب على غزة.
 
الوقائع تشير بعد أكثر من 100 يوم على الحرب في غزة، إلى أن لا قدرة للدول على فرض آلية لوقفها، فحتى الخلافات التي نشأت بين إدارة الرئيس جو بايدن ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، لم تمنع استمرار التغطية الاميركية للحرب على غزة بما في ذلك إمدادات الذخائر، فيما يقتصر الخلاف على مدة الحرب وطبيعتها في انتقالها إلى مرحلة جديدة.
 
إطالة أمد الحرب في غزة سينعكس بالفعل على ساحات أخرى، وهناك تساؤلات كثيرة عما إذا كانت حركة حماس قادرة على الصمود إلى وقت أطول فيما الفلسطينيون يواجهون نكبة جديدة، ويعانون التهجير والجوع والقتل. فإذا ما بلغ الاختناق في غزة ذروته، ستنفجر الأمور في جبهات أخرى، خصوصاً جبهة لبنان المرشحة للانتقال الى مرحلة جديدة أكثر عنفاً في حال وصلت المفاوضات ومعها الوساطات إلى طريق مسدود. وملامح التصعيد بدأت تطل برأسها في هذه الجبهة مع التهديدات الإسرائيلية بالحرب، خصوصاً الكلام الأخطر لضباط الجيش الإسرائيلي مؤخراً عبر مطالبتهم بإنشاء معادلة جديدة مقابل "حزب الله"، علماً أن تقريراً أميركياً سرب أخيراً يشير إلى أن إسرائيل أبلغت الإدارة الأميركية أنه إذا لم يهدأ الوضع مقابل الحزب بحلول نهاية الشهر الجاري، فإن إسرائيل ستصعد هجومها ضد لبنان.
 
تختلف جبهة لبنان عن غزة، وان كانت متصلة بها، انطلاقاً من وحدة جبهات محور المقاومة. والحرب إذا اندلعت في الجنوب اللبناني ستكون مختلفة عن حرب غزة بأهدافها وانعكاساتها وتداعياتها في المنطقة. في غزة سيتحدد مصير الفلسطينيين للسنوات المقبلة وفقاً لنتائج الحرب الإسرائيلية التدميرية، بصرف النظر عن تقييم عملية طوفان الأقصى في 7 تشرين الأول (أكتوبر) وما إذا كانت حماس قد أخذت بالحسبان ما يمكن أن تحدثه عملية كبرى يعتبرها الإسرائيليون أنها هددت وجود كيانهم واستغلوها لتصفية القضية الفلسطينية، ووصلت الامور إلى أن حماس باتت تطالب اليوم بحل الدولتين بعدما كانت ترفض اي حديث بهذا الخيار.
 
القاسم المشترك بين غزة ولبنان، إذا تجاوزنا عنوان وحدة الجبهات وما يعلنه "حزب الله" بأن عملياته ضد الاحتلال الإسرائيلي تندرج ضمن حرب الاسناد، هو بالنسبة للإسرائيليين إزالة الخطر عن الحدود الشمالية عبر إبعاد القوة المقاتلة لـ"حزب الله" إلى ما بعد الليطاني، وإعادة المستوطنين إلى منازلهم، علماً أن إسرائيل لا تزال تحتل أجزاء في الجنوب اللبناني، أما في غزة، فهي وإن كانت تسعى الى توفير الامن لمستوطني غلاف القطاع، إلا أن مشروعها بات أكبر من ذلك بكثير بعد 7 تشرين الأول ( أكتوبر) أي اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم عبر التدمير الممنهج لمنعهم لاحقاً من النهوض وإستعادة نبض قضيتهم.
 
القلق يزداد من توسع الحرب لتشمل جبهة لبنان، فمعظم قادة الاحتلال يطلقون تهديدات ويسربون معلومات بأن الخطة العسكرية وضعت للهجوم على لبنان لكنها تنتظر التوقيت المناسب والمصادقة عليها من الحكومة الإسرائيلية. لكن الاخطر إلى جانب التهديدات هو بقاء الوضع الميداني على ما هو عليه، إذ أن إسرائيل تنفذ عمليات اغتيال يومية وتقصف مواقع لـ"حزب الله" وبنى تحتية عسكرية، قد تؤدي فعلاً الى انفجار الجبهة، وفي المقابل يعمل "حزب الله" على الاستفادة بتعزيز قواته ويوظف ذلك سياسياً في أي تسوية أو مفاوضات دولية مقبلة. وإذا كان الحزب ليس بوارد توسيع الحرب، على الرغم مما يتكبده من خسائر، إلا أنه يراهن في النهاية على أن إسرائيل غير قادرة على تفجير الجبهة، وهو ما يدفعه إلى استمرار ربط لبنان بغزة، ويقدم سرديته التي تقول أنه تحمل كل الأكلاف وأن اي حل لا يمر إلا بموافقته.
 
هناك كلام متداول داخل إسرائيل عن أن ما يحدث في الجبهة الشمالية هو حالة حرب، حتى وان كانت محدودة في مناطق معينة. وهنا يكمن الخطر في محاولات توسيعها من دون أن تجر المنطقة إلى انفجار واسع. وقد بدأ يظهر كلام في الداخل الإسرائيلي بضرورة تغيير مسار الحرب، وهو ناجم عن استنتاج بأن الإسرائيليين لم يتمكنوا من تحقيق أهدافهم من دون حرب، أي إبعاد "حزب الله" عن الحدود وإعادة سكان الشمال إلى مستوطناتهم، وذلك على الرغم من الضربات المركزة التي تستهدف مواقع مهمة للحزب واغتيال كوادر، واستنزافه. والنقاش داخل القيادة العسكرية في إسرائيل ينحو باتجاه الحرب لتحقيق الشروط بإخراج مقاتلي الحزب وأسلحته الثقيلة إلى شمال الليطاني، طالما أن المواجهات الحالية لم تعد الامن إلى المستوطنات الشمالية.
 
تظهر المعطيات أن طبول الحرب الإسرائيلية قد تقرع بقوة ضد لبنان، لكن توقيتها لم يتخذ نهائياً خصوصاً إذا استمرت الأوضاع على ما هي عليه من استنزاف لا يقتصر فقط على الاحتلال الإسرائيلي إنما يطال أيضاً لبنان. ويتبين حتى الآن أن ما يمنع انفلات الأوضاع والحرب الإسرائيلية هو الضغط الاميركي تلافياً لتوسعها إلى جبهات المنطقة، وذلك على الرغم من التوتر في البحر الاحمر وأيضاً العمليات التي تتعرض لها قواعدهم في سوريا والعراق. وهذا يعني أن إسرائيل تتهيأ للحرب مع "حزب الله" ولبنان وأن المانع الوحيد هو موقف الأميركيين وليس المخاوف من فتح جبهات جديدة إلى جانب غزة.
 
كل هذه الأجواء يبدو أنها لا تغيّر شيئاً من خيارات "حزب الله" باستمرار العمليات والضغط وإبقاء لبنان مرتبطاً بغزة. ولا يزال الحزب عند رأيه بأن الاحتلال غير قادر على تحقيق أهدافه إذا شن حرباً كبرى، لأنه لا يعرف ما ينتظره في المقابل. ولذا يسعى لمزيد من الضغط العسكري ضمن حرب الاستنزاف بمعزل عما يفكر به الإسرائيليون، وهو يتحضر للرد على الضربات الأخيرة التي تعرضت لها بنيته العسكرية بتنفيذ عمليات نوعية مركزة ضد مواقع عسكرية أساسية، لإثبات أنه قادر على إحداث التوازن في المعركة، لكنه ليس بوارد استخدام صواريخ ضد المدن الأساسية في إسرائيل، حتى لو كلف ذلك المزيد من الاغتيالات.
 
إصرار الحزب على استمراره في مساندة غزة بعمليات مدروسة قد تتطور مع توسيع إسرائيل دائرة استهدافاتها، تؤكد بأنه لا يعيد النظر بمعركته، وبالتالي لا يفتح الطريق أمام التفاوض عبر التهدئة التي دعا لتثبيتها على الحدود المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين. ويتمسك الحزب بشروطه التي تقول إن وقف اطلاق النار هو وحده الذي يعلق العمليات في الجنوب.
ووفق ما ينقل عن أجوائه أن أي تغيير في وضع غزة أو هزيمة "حماس" خلال الشهرين المقبلين، فإن الحرب في جنوب لبنان ستقع حتماً، وبالتالي لا يؤدي التفاوض أي وظيفة طالما أن الهدف هو إبعاد الحزب إلى شمال الليطاني وهو أمر مرفوض.
وعلى هذا تستمر المعركة في جبهة الجنوب إلى حين نضوج معادلة جديدة تغير من الواقع القائم...


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.