: آخر تحديث

دور المثقفين في حماية الأوطان

8
7
8

إن حماية الأوطان مسؤولية مشتركة، وواجب ملقى على عاتق كل فرد من أبنائها، كلٌّ من موقعه ومسؤولياته، وبما يملك من مواهب وقدرات، وفي هذا السياق يأتي دور المثقفين والمفكرين في تعزيز استقرار وطنهم، والإسهام في رخائه وازدهاره وصدارته وريادته، بفكرهم المستنير، وخطابهم الثقافي المعتدل الذي يعزز المخرجات الإيجابية، ويبتعد عن أي منحى سلبي يضر بالوطن والمجتمع.

إن المثقف يعيش هموم وطنه وقضايا مجتمعه، ويلامس بخطابه الواقع، ويدعم ما فيه من إيجابيات، ويعالج بحكمة ما فيه من سلبيات، مؤمناً بأنه لا يوجد مجتمع مثالي كامل يخلو من نقص أو عيب، وأن النهوض والتطور هي عملية تكاملية مستمرة، يتشارك فيها الجميع، متحلين برؤية قيادتهم، متوخين المصالح العليا لوطنهم، ويتعاونون على التصدي لكل ما يخل باستقرار وطنهم وأمنه وسلامته، فصوت المثقف صوت عقل ووعي وحكمة، وصوت وحدة وتلاحم واستقرار وازدهار.

ومن أهم الركائز التي يحتاج إليها المثقف ليحقق هذه الأهداف أن يكون متجرداً من أي أيديولوجيات أو انتماءات دخيلة تحرف بوصلته، وتميل به عن رؤية قيادته ومصلحة وطنه، مهما زُخرفت هذه الأيديولوجيات بالشعارات البراقة والتنظيرات المثيرة، التي تحمل رؤى سياسية أو فكرية مناهضة لرؤية وطنه.

وأن يجعل رؤية قيادته وثوابت وطنه في قلبه وأمام ناظريه، متحلياً بالتفكير النقدي تجاه أي تصورات ثقافية سلبية مهما كان قائلوها، فالمثقف الواعي لا ينخدع بالأطروحات التي تروج للثورات ومصادمة الحكومات والتحريض ضد المؤسسات الوطنية والتعاطف مع التنظيمات والتيارات المتشددة أو المنحلة التي تهدد مجتمعه ووطنه.

وبمقدار تحلي المثقف بهذه الرؤية الوطنية الواعية يكون لخطابه الثقافي أبلغ الأثر، ولا ينطق لسانه ولا يجري قلمه إلا بما فيه مصلحة وطنه ومجتمعه، سواء كان كاتباً أو إعلامياً أو مذيعاً أو أكاديمياً أو مقدم محتوى أو غير ذلك، وسواء كان ما يسطر ويقول في ثنايا الصحف والكتب أو في البرامج التلفازية والإذاعية أو بين مدرجات الجامعات أو في العالم الافتراضي ومواقع التواصل الاجتماعي.

فهو في ذلك كله يحرص على صفاء العقول، وسلامة الفكر، والثقافة الإيجابية المعتدلة، وتعميق الانتماء الوطني، وترسيخ قيم المواطنة الصالحة، ونبذ التطرف والتعصب والطائفية.

ومما يدعم دور المثقف في حماية وطنه أن يكون واعياً بالمهددات التي تستهدف وطنه، متفاعلاً في التصدي لها، مؤازراً أبناء مجتمعه في رد الشائعات والإساءات والشبهات الفكرية والثقافية التي يوظفها المغرضون للنيل من وطنه وقيادته، وخاصة بما يملك من مخزون ثقافي ومعرفة حضارية، فلا يعيش في برج عاجي مستعلياً على وطنه ومجتمعه، ولا ينحى منحى الحياد أو يقف موقف المتفرج الذي لا يقدم شيئاً، بل تراه على النقيض من ذلك، مؤمناً تمام الإيمان بأن الانحياز لوطنه ونصرة قيادته واجب أصيل، وأن أي ثقافة تروج لخلاف ذلك مهما كانت فهي ثقافة سلبية تضر أكثر مما تنفع.

وكم تسببت الثقافات السلبية المحرضة من هدم للأوطان، وكم تسربلت بأقنعة مزيفة تحمل شعارات المدنية والحرية والحقوق ومناهضة الاستبداد والظلم وهي أبعد ما تكون عن تحقيق ذلك، والناظر فيما نتج عن مثل هذه الثقافات من سفك الدماء والتدمير والصراعات والصدامات يرى أبلغ دليل على ذلك.

ومما يحتاجه المثقف في حماية وطنه كذلك تعزيز قيمه وثوابته الأصيلة، التي تدعم هويته ووحدته وتلاحمه واستقراره وثقافته الوسطية، فلا تخطفه أي أفكار راديكالية متطرفة، تستهدف اقتلاع ثقافة المجتمع جذوراً وفروعاً، وإحلال أفكار لا تمت إليه بصلة جملة وتفصيلاً، سواء كانت أفكاراً مطعمة باسم الدين أو المدنية.

وسواء كانت ترفع شعار حاكمية الشرع أو حاكمية العقل، وسواء كانت تدعو لتجهيل المجتمع باسم تيار ديني أو مدني، فكم جنت الأفكار الراديكالية على المجتمعات، حتى كرست روح الصدام والانقسام والاستقطابات المتبادلة، وجر كثير منها إلى العنف والإرهاب.

إن المثقفين هم صمام أمان لمجتمعهم، يسهمون في حماية وطنهم بقوة الكلمة، وحكمة البيان، والقيم والمبادئ السامية التي يعززونها، ليبقى وطنهم مستقراً متلاحماً شامخاً يعانق النجوم.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد