: آخر تحديث
قارئ مطّلع على الثقافة.. ومكتبته خزانة متنوعة للأدب

بدر الحقيل.. عاشق الكلمة

9
10
9

كانت أول زيارة لي للأديب والمثقف بدر بن حمد الحقيل في أوائل 1430هـ في منزله، وكان انطباعي عن هذا اللقاء مع شخصه إيجابياً، حيث كان الحديث عن الأدب والشعر والكتب وسائر فنون المعرفة، فهو قارئ ومطلع على الثقافة القديمة والمعاصرة.

ومن تلك الأيام تكررت وتوالت زياراتي للحقيل ما لم يكن مسافراً إلى مصر حين كان يأوي إلى مسكنه في القاهرة، خاصةً إبان بداية معرض القاهرة الدولي للكتاب، فكان من أوائل الذين قد صحبوا الكتاب وجعلوه نديماً وسميراً وأنيساً وصديقاً؛ لأنني أعرف هذا من خلال النقاش معه في الثقافة التراثية والحديثة، وليس كما قيل لي، بل هي جلسات دائمة، هو قارئ يختزن ما قرأ من الفنون الأدبية، وهو قارئ حصيف لا يمكن أن يسيطر عليه المؤلف في طرحه وأسلوبه الساحر الجذاب، سواء كان طرحاً أدبياً تراثياً قديماً أو حديثاً، وهذه الميزة ليست في كل القراء، فثمة قراء يتأثرون ويظهر هذا الأمر فيهم، وأنعم بهذا الأمر إذا كان إيجابياً ونافعاً وبئس التأثير السلبي للقارئ، وكما أن الكلام الفصيح البليغ في الخطيب أو المتحدث البليغ له تأثير على سامعيه فكذلك الكتابة التأليفية أو المقالية قد تكون أبلغ وأقوى صدى في نفس القارئ، وإن من الكتابة لبلاغة تزلزل القارئ وتبقي بين جوانحه أثراً عميقاً لا يزول ولا يمحى، وفي هذه السطور الموجزة سنتعرف على بدر الحقيل من حيث التعلم وسيرته مع الكتاب والآداب والكلمة وبعض من حياته الوظيفية.


الأديب الإداري والكاتب الصحفي بدر بن حمد الحقيل

ولد الأستاذ الأديب الإداري والكاتب الصحفي بدر بن حمد الحقيل في المجمعة، وفيها نشأ ثم تعلم في المدرسة السعودية، ثم انتسب إلى المعهد العلمي هناك، الذي كان فتحاً علمياً ودراسياً في إقليم سدير، وقد جُلب للتدريس في هذا المعهد نخبة من الأساتذة في اللغة العربية والأدب والشريعة؛ لأن من المقررات في هذا الأساس الشريعة وفروعها واللغة العربية.

يُذكر أن هذه المؤسسة التعليمية في المجمعة عُيّن فيها الإداري التربوي الشيخ عثمان بن حمد الحقيل - رحمه الله - وكيلاً، ثم أصبح بعدها مديراً، وقبلها كان وكيلاً للمدرسة السعودية في المجمعة، وعثمان كان له تأثير إيجابي على بدر الحقيل، وسنذكر ذلك في الكلمات المقبلة.

مبادر ومتفاعل
كان المعهد العلمي بالمجمعة قد أُسّس فيه نادٍ للطلبة، فكان بدر الحقيل مبادراً في التفاعل مع هذا النادي، وذلك بإلقاء كلمات معدة، ومن تلك المشاركات ما ألقاه في نادي الطلبة بتاريخ الخامس من شهر رجب عام 1376هـ بعنوان: "تاريخ وأدب القصة العربية"، وهذه كانت كلمة طويلة تعبر عن تاريخ القصة العربية على امتداد العصور العربية، وتوضح بشكل ظاهر أن بدر الحقيل كان له اهتمام وعناية بالأدب عموماً وبالقصة بنحو أخص منذ فجر شبابه، ومن خلال قراءتي لهذه المقالة البكر في حياة شخصيتنا الأدبية نجد النضج لفن القصة العربية منذ تلك السنوات، فهو يقول في مقالته هذه الممتعة: "والثقافة العربية على ترادف أحقابها تزخر بالقصة العربية مختلفة الأشكال والألوان، فالمجرى القصصي في هذه الثقافة موصول لا ينضب له معين وكل اتجاه ومنحى من مناحي الحياة له مجال".

وأكد بدر الحقيل الاهتمام العربي بالقصة منذ بواكير التدوين للعلوم قائلاً: "لقد تحدث مؤرخو الأدب المعاصرون عن تاريخ القصة العربية، فبدؤوا بالترجمات عن الفارسية والعصور المتقدمة وتطرقوا إلى مقامات الحريري والهمذاني واليازجي وغيرهم وبالقصص الشعبية التي نمت وازدهرت فيما تلا من العصور"، هذا نموذج من مقالة شخصيتنا يوم أن كان تلميذاً في المعهد العلمي بالمجمعة.
 


لقطة لمكتبته الغنية بالكتب المتنوعة

خزانة متنوعة
والقراءة وعالم الكتاب جزء من حياة بدر الحقيل، وليس جزءاً هامشياً، أو بمعنى أنه يكون من آخر أولياته أو حسب المتاح له من الوقت أو عند الفراغ من الأشغال، بل إن القراءة كانت له بمثابة الغداء اليومي والزاد الضروري، لهذا تكونت لديه مكتبة ضخمة أطلعني عليها شخصياً أكثر من مرة، وبها ما يقارب أحد عشر ألف كتاب، فهي خزانة متنوعة ويغلب عليها طبعاً كتب الأدب والدواوين الشعرية القديمة العربية ومعاجم اللغة، إضافةً إلى الكتب الحديثة لكتّاب وأدباء مصر والشام والعراق وأصحاب القلم من بلادنا، وكذلك الكتب التاريخية والجغرافية، إلى جانب كتب الرحلات وكتب الفكر، والحقيل له عناية خاصة بكتب ومؤلفات د. طه حسين، فلقد قرأ أغلبها منذ وقت الشباب، وكان دائماً يتحدث عن د. طه، وسمعته أكثر من مرة يشيد بأدبه وانتشار كتبه في العالم العربي، وأحياناً يطربنا بدر الحقيل ببعض جمل وعبارات د. طه حسين ومنها ما كان في حفل رسمي حضره رئيس جمهورية مصر آنذاك جمال عبد الناصر في يوم العلم.

حُب القراءة
وعندما سألت بدر الحقيل: من كان له دور في حبه للقراءة؟، أجاب قائلاً: "إن شقيقي عثمان، كان له دور كبير في تعلقي بالكتاب، فقد كان يرجع من سفراته من مصر والشام في السبعينات الهجرية حاملاً معه أسفاراً من الكتب، والأسفار في مختلف المعارف لتزويد مكتبة المعهد، وكذلك لدعم مكتبته الخاصة المنزلية".

وفي مقال لبدر الحقيل عن شقيقه عثمان الحقيل يذكر أن الفضل له من حيث العشق للكتاب قائلاً: "أذكر في عام 1377هـ سافر عثمان إلى سورية ومصر وجاء محملاً بنفائس التأليف وأمهات الثقافة ومصادر الأدب والتاريخ والتفاسير ودواوين الشعر وكتب الفقه، حيث لم يحفل مجتمعنا بهذا النوع ولا الرغبة في اقتناء الكتب"، مضيفاً: "ولا أنكر أن هوايتي التي تكونت باقتناء الكتب وزيارة المعارض العلمية في العالم ورثتها من هذا الأخ الفذ في أخلاقياته وسمو مقاصده".

من جانب آخر فإن عثمان الحقيل قد زرته في منزله وأطلعت على مكتبته الخاصة، وكانت فريدة من نوعها، وهو قد أسس أكثر من مرة مكتبة خاصة، فليست هذه المكتبة هي الأولى ولا الثانية، وأخيراً أهداها إلى مكتبة الملك فهد.

ومن عبارات بدر الحقيل عن القراءة: "القراءة المفيدة مبدأ ووسيلة لتحقيق حياة أفضل"، "المكتبات عنصر مهم لنشر الثقافة والوعي"، "القراءة مفتاح نهضة الشعوب والأمم"، "الثقافة هي المدرسة الحقيقية وبدونها لا يكون للمعلومات التي نتلقاها أثرها المنشود"، "القراءة فضلها على المجتمع في النفوس وفي اكتمال الشخصية"، "أن من مزايا القراءة أن نفهم النظريات الإنسانية المثالية والوعي القومي والوقائع التاريخية التي غيرت مجرى التاريخ من كل وجه".


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد