ما هي أفضل طريقة لتنمية خيال الأطفال؟ سؤال تناوله العمود بطرائق شتى، المشترك بينها هو بذر النزوع إلى العلوم. نسأل الله أن يمنّ على المناهج العربية بإدراك أن هذه القضية سياسية بامتياز، لأن تنمية الخيال في سن مبكّرة، هي الأساس الذي يقوم عليه البحث العلمي. بالتالي فتأخر النهضة العلمية، تعود علله إلى غياب تنمية الخيال منذ الصبا.
مقاربة النهضة العلمية لا تتوقف على قرار سياسي. المجتمعات الفاعلة، تصير القمة فيها والقاعدة معاً صاحبة قرار. الصين نموذج ناجح. ليست السلطة المركزية هي التي قررت إصدار أربعة آلاف وخمسمئة مجلة علمية، ولا هي التي أقامت في كل حيّ جمعية علمية أو نادياً لتشجيع المخترعين. بالمناسبة، ليست الحكومة هي التي جعلت خمسين مليون طفل يدرسون آلة البيانو. ثمّة وعي عام تنبثق منه النهضة العلمية أو الفنية. مقارنةً بالعالم العربي، يجب أن نتذكّر قول جلال الدين الرومي: «جال العطار (فريد الدين) مدن العشق السبع.. ونحن لا نزال في منعطف هذا الزقاق»!
لتطبيق الفكرة نحتاج إلى وعي الأسرة منذ ولادة الطفل. ثم يأتي دور المدرسة فالعصر لا يسمح بالاسترخاء، وإلاّ فكيف نتوقع بزوغ النهضة العلمية؟ على المناهج ابتكار سبل لشحذ الخيال في تعليم العلوم. مثلاً: واضعو المناهج يرون أنّ علمَي الأحياء والإناسة، مكانهما الثانوية والجامعة، بينما في الإمكان إطلاق أجنحة الخيال في المناهج الموازية، وهي دروس إضافية، خارج المناهج تختلس ساعةً مرّتين أو ثلاثاً أسبوعيّاً، لإثارة الفضول العلمي. كذلك لتنمية الذوق الإبداعي والإحساس بالجمال. في العلوم تحديداً، يمكن تخصيص الدروس الموازية لأدبيات العلوم على نحو قصصي جذّاب. مثلاً: عالم الإناسة والإحاثة الفرنسي الراحل إيف كوبنز، وهو شخصية عالمية، له محاضرات وحوارات كثيرة، بالفرنسيّة والإنجليزيّة، على «يوتيوب»، بعضها يجاوز الساعة، لتبسيط العلوم، ليس فيها ثانية من التخصص العلمي، تجعل الطفل يحلم بأن يكون عالماً فذّاً. منها: «أين، متى، كيف ولماذا ظهر الإنسان»، جولة في 13.8 مليار سنة. دبلجوها أو اصنعوا على مثلها.
أين الفضائيات العربية؟ هل رأيتموها يوماً ترفع رايات العلوم؟ صروح التنمية العلمية لا تشاد بالإنتاج الفني فقط. وأين أساتذة العلوم والجمعيات العلمية؟ ثم أين المطبوعات العلمية؟ العرب ربع نفوس الصين، يريد العربي إذاً في الأقل ألف مجلة علمية عربية.
لزوم ما يلزم: النتيجة الفكرية: القرار السياسي وحده لا يصنع نهضة علمية.