مما لا شك فيه أنَّ الغرب قد استخلف الملالي على حكم إيران والهيمنة على المنطقة كخلفاء لنظام الشاه الذي أفل نجمه وتصدعت بلورات مصباحه، وسار على النهج ذاته، وقد لعب دور الشرطي الذي قام به سلفه في المنطقة، وحتى إن لم يكن الملالي البديل الأفضل من وجهة نظر الغرب، فإنَّهم الأفضل من وجهة نظر الصهيونية العالمية والإدارة الأميركية، ويخدم رأس حربتها في الشرق إسرائيل بشكل مباشر وغير مباشر من خلال وجود كيان آخر متضامن في محور العداء والكراهية للعرب؛ مما سيدفع إلى إنهاك الدول العربية وإغراقها بالأزمات والكوارث، وهو المطلوب تحقيقه.
وبالرغم من أنَّ العلاقة بين الملالي والإدارة الأميركية قد شابها مراحل من التوتر، إلا أنَّ حالة التوافق كانت قائمة في مجمل الظروف، وقد شهدت حقبة الثمانينيات من القرن الماضي على ذلك. وبالرغم من واقعة احتجاز الرهائن الأميركان في السفارة الأميركية، إلا أنَّ الإدارة الأميركية وإسرائيل كانتا من الداعمين الرئيسيين للملالي في حربهم على العراق.
إقرأ أيضاً: الرأس وليس أذرع الأخطبوط
لا تتوقف الصهيونية على المدعين باليهودية، وليس غريباً أن يكون الملالي أكثر صهيونية ممن أنبتوا الصهيونية، وليس بالضرورة أن يكون الملالي أعضاء منضوين في هيكل الصهيونية العالمية، فبينهم من الثوابت والتشابه والتقارب ما يُغني عن ذلك، فكلاهما مدعٍ يستخدم الدين وسيلة للطغيان، هذا يدعي بالديانة اليهودية، والثاني يدعي بالإسلام والولاية لآل بيت النبوة (ص) ولا علاقة لأي منهما بالدين، ولم نأت بشيء من عندنا، فالأول من الطرفين يقول قومه إنه مُدعٍ وخارج عن الدين وتلك مظاهرات اليهود في أوروبا وأميركا تشهد على ذلك، وكذلك قوم الطرف الثاني يقولون إنه مُدعٍ ولا علاقة له بما يدعي، وقد أساء للإسلام ولآل البيت الأطهار.
من الثوابت المشتركة لدى الطرفين ميكيافيلية النهج واستباحة كل ما هو محرم لبلوغ غاياتهم وكراهيتهم للعرب وأطماعهما التوسعية بالمنطقة، هذا يريدها من النيل إلى الفرات، والثاني يريد العراق والجزيرة العربية والشام، وتخدم خطى كل منهما مصالح الآخر ومخططاته.
إقرأ أيضاً: إيران وفشل نظرية ولاية الفقيه
شهدت العلاقات الأميركية مع النظام الإيراني تطوراً كبيراً في المرحلة الأخيرة، وخصوصاً بعد عام 1998، ثم ازدادت تطوراً بعد تعاون نظام الملالي والجماعات الموالية له مع الإدارة الأميركية على احتلال العراق في عام 2003، ثم التعاون على الأرض في العراق، ثم تسليم العراق لملالي إيران بشكل غير مباشر من خلال واجهات محلية موالية لها من جميع الفئات. وقد كان إضعاف العراق وتفكيكه هدفاً مشتركاً لدى الأطراف الثلاثة، ومن هنا يمكن التسليم أنَّ العلاقة المعاصرة بين نظام الملالي وأميركا، والتي يصفها الأميركان أنفسهم بالعميقة، علاقة تقع في إطار استراتيجية الإدارة الأميركية بالمنطقة، فهي تخدم المصالح الأميركية من جهة وتخدم المشروع الصهيوني من جهة أخرى، وتستهدف ترويض المنطقة العربية وإخضاعها للمخططات الغربية، وتؤكد تصريحات القادة الأميركان بين الحين والآخر على متانة هذه العلاقة، بالرغم من بعض التصريحات الإعلامية التي لا يمكن الأخذ بها على محمل الجد. فسير هذه العلاقة يتطلب بعض التضحيات من الطرفين، وكذلك بعض التصريحات، مع الحرص من كلا الجانبين على عدم الدخول في مواجهات مباشرة، وما التوافق الذي جرى بينهما أثر مقتل قاسم سليماني إلا دليل واضح، عندما أعطى الأميركان للنظام الإيراني الضوء الأخضر لضرب قاعدتهم بعد أن اتفقوا على موعد الضربة وكيفيتها كردة فعل لحفظ ماء وجه الملالي بعد أن كبروا حجرهم وأخيراً أسقطوه بعناية عدوهم المفترض وتوجيه منه.
إقرأ أيضاً: ماذا ينتظر خامنئي؟
الضحايا في هذه العلاقات الاستراتيجية بين الملالي وأميركا والصهيونية هم الشعب الإيراني ودول المنطقة وعموم العرب، ولا نستبعد أن يستمر التغاضي الأميركي والغربي عن جرائم أفاعي الحكم في إيران والمنطقة والسماح للملالي بأن يصبحوا أباطرة جدد على حساب العرب وتركيا. وإن لم يتم تغيير النظام في إيران وإعادة الديمقراطية لشعبه، سيبقى حال الدول العربية على ما هو عليه وأسوأ، وستبقى سيول المخدرات تتدفق إلى الأردن من خلال ميليشيات تجارة المخدرات والسلاح الموالية لنظامه، فريثما كان الاحتلال الإسرائيلي في أزمة مع العرب يقوم النظام في إيران بصناعة الأزمات ويستنزف العرب ممهداً لإسرائيل والصهيونية العالمية أن تسلل إلى الحواضن العربية بحجة الحماية تارة وبحجة التعاون الاقتصادي تارة أخرى، وهكذا نحن أمام لعبة صراع تنافس ونفوذ يتبعه تفاهم لتقاسم المصالح وتبادل الأدوار.