في عام 2010، عندما سئل جيف بيوكس، الرئيس التنفيذي السابق لشركة تايم وارنر الشركة الأم لاتش بي أو (HBO)، وهي أكبر شبكة تلفزيونية أمريكية مدفوعة الأجر، ما هو التهديد الذي يشكله الوافد الجديد نسبياً «نتفلكس»، فكان رده ساخراً: «الأمر يشبه إلى حدٍّ ما: هل سيسيطر الجيش الألباني على العالم؟.. أنا لا أعتقد ذلك».
لقد سيطر الجيش الألباني على العالم؛ وأنشأت شركة نتفليكس نموذج أعمالٍ جديداً لا يرحم، والذي اتبعته شبكات التلفزيون، خوفاً من الانقراض إذا لم تفعل ذلك. هل نجحت؟ لقد غيرت نتفلكس كل شيء عندما راهنت بكل ما تملك على البث المباشر.
هذا ما جاء في كتاب صندوق باندورا (Pandora)s Box) بقلم الناقد الثقافي بيتر بيسكيند المشهور بكتاباته عن صناعة السينما، في معرض كتابته عن خطة عام 2006، التي وضعها العديد من المديرين التنفيذيين في HBO، لشراء نتفلكس، والتي أسقطها كبار المسؤولين في HBO.
الكتاب يشير إلى أننا حالياً وصلنا إلى «ذروة البث التلفزيوني» في عام 2022، وأن الانحدار جارٍ بالفعل على قدم وساق. أما الآن، فنحن محظوظون بما فيه الكفاية لأننا نعيش عصر ما يسمى «تلفزيون الذروة»، حيث استولى التلفزيون، بأشكاله وتصاميمه المختلفة، على عباءة الترفيه من الأفلام وهيمن على أوقات فراغنا.. لكن الميزانيات تضخمت بما يتجاوز العقل والمنطق.. فقد انتقلت الشركات ذات الموارد المالية الكبيرة، مثل أبل وأمازون، إلى السوق، حيث قامت بتمويل حماقات ذات ميزانيات ضخمة..
يوجه الكاتب نظره نحو العصر الذهبي للتلفزيون، ثم ما تلاه من صعود الكابلات التي تخترق الحدود، وليصل إلى البث المباشر (مثل نتفلكس)، الذي قلب كليهما، استنادًا إلى مقابلات حصرية وصريحة وصادمة مع المديرين التنفيذيين والمبدعين من الكتاب ومقدّمي العروض والمخرجين والممثلين. نظرًا لأن الجانبين الإبداعي والتجاري للتلفزيون متشابكان تمامًا، يقوم بيسكيند بفحص كليهما والتفاعل الديناميكي بينهما من خلال عدسة العروض التي غيرت قواعد اللعبة والتي يتم بثها. هناك قصص رائعة حول تقديم العروض والمشاهد، ورؤى حول حالات السقوط والتعيينات المفاجئة والفصل والإقالات من العمل من جانب الشركات، وهناك بعض الحكايات مليئة بالقيل والقال والهذر.. هناك تحليل حديث نسبيًّا لعدم عدالة النظام في المجال الإبداعي، خاصة بالنسبة لأولئك الذين هم مبدعون بالفعل، وليس أولئك الذين يبيعون المنتج النهائي. وينقل بيسكيند عن أحد المسؤولين التنفيذيين السابقين في الشبكة قوله: «نحن في العصر الذهبي لإنتاج المحتوى والعصر المظلم لتقاسم الأرباح الإبداعية»..
في النهاية، وبعد مسح اللوحة، يبلور الكتاب المستقبل في ضوء نجاح وإخفاقات مقدمي البث المباشر الذين، على ما يبدو، يواجهون الآن مشاكل تهدد حياة أعمالهم، بعضها من صنع أنفسهم، وبعضها الآخر لا دخل لهم بها. وفي الشكر الذي يختتم به الكتاب، لا يزال بيسكيند يتمنى بحسرة عودة ناقله المفضل «التلفزيون». يكتب: «آمل أن تعود الأفلام يومًا ما.. في الوقت الحالي، سيتعين على التلفزيون القيام بذلك».
يبدأ بيسكيند بقناة HBO، ويعود إليها كثيرًا، والتي بدأت في عام 1972 كقناة كابل تعرض الأفلام والأحداث الرياضية مقابل رسوم، قبل أن تتطور لتصبح موطنًا للمسلسلات ذات السمعة المحترمة لدرجة أنها يمكن أن تفلت من شعار «إنها ليست تلفزيونية، إنها قناة HBO».
هل انتهى العصر الذهبي للتلفزيون، مثلما انتهى في زمن مضى العصر الذهبي للراديو؟ عموماً، عبارة «العصر الذهبي للتلفزيون» يرى كثيرون أنها تمثل الفترة خلال أوائل القرن الحادي والعشرين حيث تتميز بالجودة العالية، وبرامج تلفزيونية مشهورة عالميًّا. بينما يرى البعض أن تلك الفترة تمثل العصر الذهبي الثاني بينما الأول يمثله عروض الثمانينيات إلى منتصف تسعينيات القرن الماضي. ويُعتقد أنه نتج عن التقدم في تكنولوجيا توزيع الوسائط، وتكنولوجيا التلفزيون الرقمي (بما في ذلك منصات الفيديو عبر الإنترنت، والبث التلفزيوني، والفيديو عند الطلب، وتلفزيون الويب)، زيادة كبيرة في عدد ساعات التلفزيون المتاحة، مما أدى إلى موجة كبيرة من إنشاء المحتوى.
وأخيراً، تجدر الإشارة، إلى أنه في الفترة من 2 مايو إلى 9 نوفمبر 2023، حدثت سلسلة من النزاعات العمالية الطويلة داخل صناعتي السينما والتلفزيون في الولايات المتحدة، وركزت بشكل أساسي على إضرابات نقابة الكتاب الأمريكية، مما أوقف فعليًّا معظم الإنتاج التلفزيوني المكتوب في الولايات المتحدة والذي يشكل نسبة مهمة للإنتاج العالمي.. هذه النزاعات قد تكون دقّت «المسمار في النعش»؛ لكن يقول بعض النقاد «أمامنا طريق طويل لنقطعه قبل أن نصل إلى القاع».