مع حلول عيد الميلاد من كل عام، أقرأ فصلاً من الإصحاح السابع في الإنجيل كجزء من المشاركة في الخدمة الكنسية التقليدية. يوم الثلاثاء، كان موعد قراءة [ترتيل] وصول مريم ويوسف إلى بيت لحم وقصة فشل العائلة المقدسة في العثور على سقف يأويهم.
هذا العام، امتزجت التلاوة ببعض العواطف والانفعالات. فعلى بعد أميال قليلة من بيت لحم، دمرت الحرب حياة أكثر من ألف مواطن إسرائيلي في واحدة من أكثر المجازر عنفاً وأزهقت أرواح أكثر من 20 ألف رجل وامرأة وطفل فلسطيني وعشرات الآلاف من العائلات المشردة في قطاع غزة.
تماماً كالطفل يسوع، سيولد الأطفال هذا الأسبوع في تلك المنطقة من العالم في مساكن مرتجلة ومن دون أي مساعدة طبية.
وفي حين تبقى كارثة النزاع لحسن الحظ بعيدة عن ديارنا، إلا أن الأثر المدمر للفقر يحرم عديداً من العائلات والأطفال من سرير دافئ هنا أيضاً. بعد ألفي عام على ولادة يسوع في إسطبل، هنالك عشرات الآلاف من الأولاد البريطانيين الذين لا يجدون غرفة تأويهم، حرفياً.
الأرقام صادمة. فأكثر من 100 ألف طفل، وهو عدد يتخطى القدرة الاستيعابية لملعب ويمبلي، مشردون بلا مأوى ويعيشون إما على الطرقات أو في مسكن موقت ويتنقلون من مكان إلى آخر.
يحل المساء على ما يقارب 900 ألف طفل هذه الليلة من دون أن يكون لديهم سرير فعلياً ليناموا فيه. ومن بينهم، تشير التقديرات إلى أن 681 ألفاً ينامون على الأريكة أو يتشاركون السرير مع أفراد العائلة فيما تواجه 336 ألف أسرة عدم القدرة على إصلاح الأسرة المكسورة أو استبدالها لأطفالها.
إنه الواقع المخفي للفقر في بريطانيا عام 2023: حالة راهنة مزرية لم أفكر يوماً بأنني سأراها مجدداً في حياتي. والحقيقة الواضحة والصريحة هي أن عام 2024 سيكون أسوأ وليس أفضل.
يتعارض هذا المشهد مع انتظارات الشعب. ففيما لم تعد الحرب في أوكرانيا تحتل الصفحات الأولى [الصدارة] ومع تراجع التضخم وتقلص حدة أسعار الطاقة، يسود افتراض متزايد بأن الأسوأ انتهى وبأن كلفة الوقود والطعام ستصبح مجدداً في متناول أفقر العائلات في بريطانيا.
ولكن إذا كنتم تعيشون على خط الفقر، فتلك ليست الحال على أرض الواقع. لأن الأسعار لا تزال ترتفع كلها بدءاً من الاتصالات إلى أدوات التنظيف ومستلزمات الحمام. ويعني ذلك أن 4.7 مليون شخص بالغ في المملكة المتحدة يكافحون ليتمكنوا من تناول الطعام يومياً في وقت يواجه مليونا طفل خطر عدم الحصول على وجبتهم التالية.
تبخرت كل المدخرات التي تمكنت العائلات من جمعها في السابق. ويتراجع الدعم الحكومي لحالات الطوارئ الذي لم يعد متوفراً بسهولة، فضلاً عن أن آخر خطوط الدفاع والمتمثلة في الجمعيات الخيرية أضحت غير قادرة بالكامل على التعاون كما في السابق.
مع ارتفاع ميزانيات الأسر [تكاليف حياة الأسر] في أنحاء البلاد، انخفضت التبرعات للجمعيات الخيرية إلى النصف في غضون عام. أما الأشخاص الذين تبرعوا بالقليل مما استطاعوا لأولئك المعدمين فلم يعودوا يملكون ما يتبرعون به.
من السهل أن يصيبكم هذا المشهد باليأس، ولكن في أنحاء المملكة المتحدة، لا تزال عديد من النجوم المضيئة تتلألأ وتلمع [الأمل يلوح في الأفق]. وتعتبر منظمة "زاراش" Zarach الخيرية التي تتخذ مقراً لها في ليدز والمدعومة من قبل حملة النداء الإنساني الذي أطلقته "اندبندنت" مثالاً حياً على تلك النجوم.
كما سبق ونقلت الصحيفة، بدأت القصة عندما لاحظت نائبة مدير المدرسة بيكس ويلسون صبياً في صفها يكافح لكي يتمكن من التركيز. فاكتشفت لاحقاً بأن الصبي لا يملك سريراً وكان عوضاً عن ذلك مضطراً لمشاركة أريكة مع أخويه.
خلال الشهر الماضي، جمعت "زاراش" بدعم من "اندبندنت" ما يكفي من المال لكي تقدم 540 سريراً للأطفال قبل حلول عيد الميلاد. سيكون لذلك تأثير هائل على العائلات التي تستفيد من ذلك مع استمرار الجمعية الخيرية بجمع التبرعات طوال العام.
في هذا السياق، أقدم دعمي الكامل النابع من القلب لكي أدعو القراء وأحثهم على تقديم دعمهم أيضاً. إنه نوع من بنك الأسرة الذي سنحتاج إليه فعلاً في أنحاء البلاد لعام 2024.
سأولي الأولوية شخصياً لتوسيع الشبكة المتعاظمة المشاركة في مبادرة "ملتي بنك" multibanks"" [مبادرة تدعو الشركات الكبرى والجمعيات للمساهمة] الموجودة الآن في اسكتلندا ومانشستر الكبرى وويلز. أتمنى أن تُنشأ تلك المؤسسات في كافة أنحاء المملكة المتحدة قريباً. وترتكز تلك المبادرة إلى إنشاء بنوك الطعام وبنوك الأسرة وبنوك الملابس وبنوك المفروشات وبنوك مستلزمات الحمام والأطفال المدمجة في مؤسسة واحدة وتتيح اتباع مقاربة شاملة لتلبية حاجات كل عائلة تعيش في العوز.
وتقوم تلك المؤسسات على جمع الشركات المحلية التي تملك إنتاجاً احتياطاً وفائضاً في السلع بالجمعيات الخيرية التي تعرف من هم الأشخاص الذين يحتاجون إلى المساعدة. ومن ثم ينشئون "متجراً واحداً يضم كل شيء" للعائلات المعوزة من خلال تقديم السلع التي لا يمكن لتلك العائلات تحمل كلفتها.
كانت استجابة الشركات ملحوظة، فقد قامت الشركات، بدءاً من أكبرها وهي أمازون التي يديرها في المملكة المتحدة جون بومفري، بالتبرع بالسلع التي لم يطالب بها أحد (سلع تم شراؤها ولم تصل إلى وجهتها ولم يطالب بها أحد) وتقديم الخبرة اللوجيستية، كما زودت جمعية النسيج في المملكة المتحدة Textile Services Association بدءاً بشركة فيشرز لاندري سيرفيسز Fishers Landry Services بتقديم آلاف الألحفة والمناشف والشراشف والوسادات شبه الجديدة التي استخدمت لوقت قصير في الفنادق، التي تم غسلها وتنظيفها لكي تستخدمها العائلات المحتاجة على المدى الطويل. وإضافة إلى ذلك، كان مصنع أوراق المرحاض "أكرول" Accrol بقيادة غاريث جنكينس بغاية السخاء من خلال تبرعه بمليون لفة من ورق المرحاض.
كما قدمت شركات الأغذية على غرار "بيبسي كو" PepsiCo عصائد الشوفان، فيما تبرعت "ريكيت" Reckitt بعدد ضخم من المناديل المرطبة [المعقمة من ماركة] "ديتول". إن موقعنا الخاص زوجتي وأنا يشكر كل الشركات التي لا يمكنني تعدادها كلها هنا لكثرتها، والتي تساعد محلياً ووطنياً. من خلال عملنا مع جمعيات خيرية أخرى على غرار "إن كايند دايركت" In Kind Direct و"فيليكس بروجيكت" Felix Project وصندوق تراسل Trussel Trust، نستخدم المنتجات الفائضة والسلع التي نعاود استخدامها لأغراض أخرى حيث تبرز الحاجة وبذلك نقوم بمساعدة العائلات ونقلص التلوث في الوقت نفسه.
إن هذا التعاون بين الشركات والمؤسسات الخيرية وهو ما أطلقت عليه اسم "القطاع الرابع في بريطانيا، يقدم تحالفاً من التعاطف والأمل الجديد قبيل دخولنا إلى العام الجديد.
مع قيام جمعيات خيرية على غرار "زاراش" بالعمل ضمن المجتمعات المحلية ومع بذل الشركات مساعيَّ كبيرة لتأمين إعادة تدوير السلع والمنتجات غير المستخدمة، بوسعنا أن نساعد فقراء بريطانيا. إن الحاجة كبيرة ولكن قدرة بلادنا على الكرم والسخاء أكبر. دعونا نأمل أن يكون عام 2024 العام الذي نجد فيه سقفاً يأوي الجميع.