: آخر تحديث

غزّة والدروس المستفادة!

10
10
8
مواضيع ذات صلة

ربّما اعتبر البعض أنّنا نتسرّع عندما نتحدّث الآن عن دروسٍ مستفادة من الحدث الكبير والمأساوي بغزة. إذ لم يمرّ من الحدث إلّا نصفه، فما بعد الحرب (إذا كانت لها نهاية حقّاً!) وهي فترة قد تطول ربّما كانت أهمّ ممّا انقضى على فظاعته وهوله. بيد أنّ مراقبة الحدث من الدواخل الفلسطينية والعربية والإقليمية والدولية يمكن أن تسمح بالتأمُّل والمقارنة باستنتاج دروسٍ أو إمكانيات اعتبار بحسب ابن خلدون.

ابن خلدون لا يعني بالاعتبار الذي يذكره كثيراً في أواخر فصول مقدّمته: العبرة والعظة، بل المقايسة والمقارنة بين حدثين أو أحداث، لأنّ التاريخ عنده يجري في دورات. لكنّه يعود فيقول إنّ التاريخ لا يعيد نفسه.

لماذا حدثت الحرب؟
فلننظر في حماس وطبيعتها وقرارها الداخلي والجهات التي تؤثّر فيه وعليه. وقد ذكر كثيرون أنّ الأمور تطوّرت بداخلها بعد الأحداث في سورية. فالقيادة وقتها رفضت مساعدة النظام السوري على الرغم من الضغوط الإيرانية. ولذلك وعندما أراد الحماسيّون إعادة العلاقات بوساطة من الحزب وإيران كان عليهم أن يغيّروا القيادة السياسية فازداد بروز إسماعيل هنيّة، ثمّ انخفض ليحدث شبه انفصال بين القيادتين السياسية والعسكرية، والقيادة العسكرية هي التي صنعت الحرب الحالية. وإلى ذلك ولأنّ حماس تستعدّ لقيادة الحركة الوطنية الفلسطينية فلا ينبغي الاستهانة بالقيادة السياسية في الخارج بقطر وتركيا. أمّا مع إيران فهناك الجانب العسكري، وهو سرّي. هناك استعدادات هائلة للحرب على مدى ثلاث أو أربع سنوات. وهي تتأثّر أيضاً ليس بالحزب وإيران فقط، بل وبالأوضاع في الضفة الغربية ما دامت حماس تريد قيادة فلسطين.

ليس هناك منتصر ربّما باستثناء إيران، التي تراهن على تصديق "الغلابة" للأوهام وتسليم أميركا وإسرائيل لها بالشراكة

لماذا حدثت الحرب الآن؟ لا نعلم لماذا تريد إيران الحرب منذ عامٍ ونيّف. وقد بدأها تنظيم الجهاد بمفرده وقراره إيرانيّ بحت. ومع تعاظم خسائر الجهاد بالضفة وغزة اشتدّت الضغوط على حماس للمشاركة، وضغط القطريون والأتراك لمنع حماس من المشاركة. ولذلك يُرجَّح أن تكون قيادة الداخل قد اتّخذت القرار بضغطٍ من إيران.
ماذا يريد الإيرانيون من إدارة بايدن؟ أو أنّ الإيرانيين كانوا يتابعون تقدّم المفاوضات العربية السعودية مع أميركا وإمكان التقارب مع إسرائيل. منذ أواخر عام 2022 تزور القيادات الإيرانية لبنان للقاء نصر الله ولقاء الحماسيّين القادمين إلى لبنان. وقد كان ذلك ولا شكّ للتخطيط للحرب والسياسة ودفش حماس للمشاركة.
منذ ذلك الحين، أكثر من عام، يتحدّث نصر الله عن وحدة الساحات. وهذا يعني أمرين: دفع حماس من جهة، وتشجيعها بأنّ الحزب سيشارك إنْ هي اندفعت أيضاً. وهكذا نشبت الحرب وقال الإيرانيون أوّلاً إنّه لا علاقة لهم بها، فلمّا اشتدّت وتحرّكت فصائلهم في لبنان والعراق وسورية والآن اليمن عادوا للقول إنّهم مشاركون وإنّ الفضل لهم! وهكذا سيظلّون حاضرين حتى بالداخل الفلسطيني لأنّ الجميع يحسبون لهم كلّ الحساب.

ارتفاع شعبية حماس
شعبية حماس هائلة الآن في العالمين العربي والإسلامي. وإيران كاسبة وكذلك الحزب. وستضعف حماس عسكرياً، لكنّ دورها السياسيَّ لن ينقضي، وستظلّ مشكلةً على السلطة الفلسطينية الضعيفة شعبياً ومؤسّساتياً، وكذلك على الدول العربية.
من المتوقّع أن يكون هناك اهتمامٌ أميركي وأوروبي وعربي بإحياء السلطة الفلسطينية لتمكينها من المشاركة في حلّ الدولتين المعقَّد. فإسرائيل ما أبدت اهتماماً بالحديث عن حلّ الدولتين، ونتانياهو يصرّح بمعارضته ولا يعترف بالسلطة. وهناك كثيرون يشاركونه الاعتقاد أنّ السلطة لا تمتلك القدرة على العمل في غزة مع بقاء حماس حاضرة، والناس في الضفة لا يريدونها. ولذلك ستكون هناك مشكلة لدى الدوليّين والعرب في التصرّف بالفراغ. فالسلطة غير حاضرة تماماً، وحماس ليست غائبة. وستكون هناك بالإضافة إلى المشكلة السياسية: مشكلات التعويض على الفلسطينيين وإعادة الإعمار.

في الأسبوعين الأخيرين بدأ الموقف الأميركي والأوروبي يتطوّر باتجاه المطالبة بوقف الحرب لأسبابٍ إنسانية، وذلك تحت وطأة الرأي العامّ والإعلام الكاشف للفظائع

لقد نجح العرب أخيراً بطلبٍ من الإمارات في اتّخاذ قرار بمجلس الأمن لإطلاق المساعدات، والوقف الإنساني للنار. وكان موقف الدول العربية والإسلامية واحداً خلال الحرب وما يزال منذ جمع وليّ العهد السعودي السبع والخمسين دولة عربية وإسلامية على ذلك. لكنّهم ما استطاعوا التأثير على أميركا وإسرائيل حقاً على الرغم من ضخامة حجمهم. وليس من الواضح كم يؤثّرون على حماس التي لا يملكون علاقاتٍ بها إلّا من خلال قطر ومصر. والدولتان منهمكتان بالتفاوض على إطلاق سراح الأسرى من الطرفين في مقابل وقف الحرب.

تطور الموقف الأميركي والأوروبي
في الأسبوعين الأخيرين بدأ الموقف الأميركي والأوروبي يتطوّر باتجاه المطالبة بوقف الحرب لأسبابٍ إنسانية، وذلك تحت وطأة الرأي العامّ والإعلام الكاشف للفظائع. أمّا المؤسّسات الدولية والإنسانية فكانت ضدّ الحرب من البداية، وموقف الأمين العامّ للأمم المتحدة كان كبيراً وواضحاً، لكنّه أيضاً غير مؤثّر على الرغم من قرارين اتّخذتهما الهيئة العامّة للأمم المتحدة بوقف القتال، والآن كما سبق القول قرار بالمعنى نفسه في مجلس الأمن. والمنتظر أن يكون لهذا الثقل العالمي فائدته في الاتجاه لحلّ الدولتين.
في الحساب الأخير، ما المعنى في كلّ ما حصل ويحصل، وما الذي يمكن استنتاجه؟ أهمُّ النتائج هذا الاهتمام العالمي بإنهاء الحرب على فلسطين بعد خمسةٍ وسبعين عاماً من النزاع، والإنهاء يكون بإقامة دولةٍ للفلسطينيين على الرغم من تعقيدات التفاوض، وانقسامات الفلسطينيين.

إقرأ أيضاً: المشهد العربيّ: استيلاء الراديكاليّات وصعود العنف!الإسرائيليون شعروا بالخطر على الدولة، وازدادوا تصلّباً. وقليل عدد النخبة السياسية التي تريد السلام بالدولة الفلسطينية، وأكثر هؤلاء من اليهود الأميركيين. ويراهن إسرائيليون كثيرون على نسيان العالم بعد توقّف القتال. والإسرائيليون لا يريدون بقاء نتانياهو، لكنّهم لا يؤمنون بإمكان سلامٍ دائمٍ مع الفلسطينيين.
ليس هناك منتصر ربّما باستثناء إيران، التي تراهن على تصديق "الغلابة" للأوهام وتسليم أميركا وإسرائيل لها بالشراكة! وسمعت فهمي هويدي، بعد طول غياب، يقول على الجزيرة إنّ ما جرى هو حرب تحرير! وأين هو التحرير بعد الخسائر الهائلة واقتصار انتصار حماس على المطالبة بتبادل الأسرى.
الدرس الذي استفدته شخصيّاً أن لا حلّ بالقتال، وأنّ المشكلة مستمرّة. ولا حول ولا قوّة إلا بالله.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد