: آخر تحديث

مقارنات القوة العسكرية بصراع غزة وإسرائيل

17
17
21
مواضيع ذات صلة

عندما دخلت روسيا في المواجهة العسكرية مع أوكرانيا كانت تؤسس لإطار جديد للنظام الدولي والإقليمي بكل تفاعلاته، وهو ما تكرر في المواجهة الراهنة بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية و«حماس»على وجه الخصوص، ما يشير إلى أن القوة العسكرية تعود إلى الواجهة السياسية والاستراتيجية التي يجب التعامل معها لتحليل أوجه الصراعات الراهنة، وخاصة أن كل طرف غير قادر على الحسم في إطار معادلة رابح / خاسر إلي معادلة صفرية، وهو ما يبرز في مواجهات الشرق الأوسط عموما، وما يجري في إطار الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بل، وفي مستويات متعلقة بالصراع بين حركتي «حماس» و«الجهاد الإسلامي»، والتي تذهب إلى محاولات كاملة لحسم المواجهات التي لم تتم في إطار إقصاء الطرف الآخر، وتطبيق مبدأ النفي، وإتمام عمليات الترانسفير والانتقال من المواجهات الراهنة إلى محاولة حرث الأرض، وإنهاء حكم «حماس» على الأرض مع نقل إدارة الصراع إلى مرحلة حسم الصراع بإجراءات مفتوحة وعبر سلسلة من الخطوات الاستراتيجية مع استثمار ما يجري من دعم إسرائيل، وتوظيف حالة المساندة الغربية غير المسبوقة.
كل ما سبق يؤكد  أن التحالف الأميركي الإسرائيلي من جانب والأوروبي الإسرائيلي من جانب آخر يمضي في أطر محددة، وتعمل في اتجاهات محددة، ويمكن أن تتم عبر وسائل متعددة، ومن خلال مقاربات متعددة، وهو ما تعمل عليه المؤسسة العسكرية الإسرائيلية الراهنة، والتي تدير المواجهة الحالية بين إسرائيل وحركة «حماس»، وتريد إعادة الهيبة والمكانة العسكرية التي تضررت بالعملية النوعية التي قامت بها حركة «حماس»، وافتتحت بها المشهد السياسي والاستراتيجي، والذي لا يعلم كيف ستنتهي.
ويبدو أن هناك حسابات ضيقة تعمل في أطر محددة اعتماداً على ظرف استثنائي في الإقليم مع استمرار الانقسام الفلسطيني بين رام الله، وغزة من جانب وتجاذب الأطراف الإقليمية، والدولية الداعمة للموقف الفلسطيني باعتبار أن الفصائل الفلسطينية تريد إنهاء وجود إسرائيل بل وطردها من الإقليم وفق رواية تم طرحها فلسطينياً منذ سنوات طويلة، ومن قبل بعض التنظيمات، وهو ما قد يؤدي إلى تفجير المشهد السياسي بأكمله في الإقليم في ظل الحشد العسكري الكبير لإسرائيل، والدعم العسكري الكبير التي تحصل عليه من واشنطن، وتنامي بصورة لافتة في الفترات الأخيرة مع استمرار العمليات العسكرية على القطاع ما يشير إلى أن القوة المنهجية التي تعمل عليها إسرائيل ستكون قائمة ومرشحة للاستمرار لحسم الصراع، وبصورة جذرية.

وهنا مكمن الخطورة الحقيقية التي يمكن أن تفجر المشهد الراهن في أي وقت ما لم تنضبط الأوضاع في ظل إدراك عام على المستوي العربي بأن الولايات المتحدة لم تعد وسيطا منصفا للحقوق العربية، بل طرفا منحازا للجانب الإسرائيلي، وتشجيعه على المضي في خطواته ما يؤكد أن المشهد الراهن مرشح للتوتر والتجاذب/ الشركاء العرب للولايات المتحدة أبدوا تحفظات حقيقية على الطرح الأميركي تجاه إسرائيل بل وانتقاد السياسات الأميركية التي تعمل في إطار حسابات أميركية ضيقة، ولحسابات تتعلق بالانتخابات الأميركية، والتي تقيد مستوى الحركة للرئيس الأميركي جو بايدن، وفريق العمل الذي يعمل بجواره، والذي يدافع عن أمن إسرائيل، وفي سياق مصالح عليا تحكم السياسات الأميركية تجاه الشرق الأوسط وباعتبار أن إسرائيل جزء من المنطقة وأن إقرار كل الأطراف بحق إسرائيل في تقرير أمنها ليس معناه نفي أمن الآخرين عرباً وإسرائيل في ظل مشهد مفتوح على مواجهات وسيناريوهات محتملة قد تعلن عن نفسها في المديين القصير والمتوسط. ليس الأمر متعلقا فقط بإنهاء المواجهات الدائرة التي قد تطول.

ومن المهم التفكير في الانتقال إلى مرحلة تالية بل وإقرار سياسات أمنية، واستراتيجية منضبطة سواء بقيت حركة «حماس» في القطاع، أو تم تصفية وجودها، وتسليم القطاع إلى جهة أخرى سواء كانت مصر التي سبق وأن أدارت القطاع في مراحل معينة من تاريخ المواجهات، أو السلطة الفلسطينية، أو وضعه تحت الائتمان الدولي لحين حسم مستقبله، وفي إطار مراجعات سياسية واستراتيجية كاملة لن تقتصر على القطاع فقط بل ستمتد إلي الضفة الغربية، وهو الأمر الأهم حيث السلطة المشروعة ممثلة في مؤسسات السلطة الفلسطينية، ولجان ارتباطها الأمني والاستراتيجي والاقتصادي بمقتضي اتفاقية باريس «النسخة الاقتصادية» للاتفاق بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، وفي حال عدم تنفيذه ستصبح حالة الفوضى مرشحة بقوة في الأراضي الفلسطينية بأكملها مع التوقع بانفلات أمني منتظر، و حدوث حالة من عدم الاستقرار العام.

الرسالة أن القوة هي من ستحكم المعادلة الصعبة في الشرق الأوسط في السياق الاستراتيجي العام، كما أنها ستعمل في إطار من التجاذبات المهمة التي تضم كل الأطراف، والتي ستعلن عن نفسها في الفترة المقبلة بصرف النظر عما سيجري من مسارات وسيناريوهات مقترحة ومحتملة في آن واحد، والمضي قدما في اتجاهات منضبطة تضم كل الأطراف، وليس طرفي المعادلة الفلسطينية، وإسرائيل فقط.
*أكاديمي متخصص في الشؤون الاستراتيجية.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد