: آخر تحديث

سياسات نفطية متغيرة

15
16
15
مواضيع ذات صلة

ساهم تفاوت السياسات الاستثمارية في القطاع النفطي خلال السنوات القليلة الماضية في إيجاد نوع من الفوضى داخل أسواق النفط، فدول مجموعة «أوبك+» لديها قناعة تامة بضرورة زيادة الاستثمارات في قطاع النفط والغاز لتلبية الطلب المتنامي وفي نفس الوقت دعم الاستثمارات لتطوير مصادر الطاقة البديلة ليسير هذان التوجهان في خطين متوازيين، وهو ما نجحت في تحقيقه بصورة مميزة دول مجلس التعاون الخليجي، في حين اتبعت معظم الدول المستهلكة للنفط خطاً مغايراً ارتكز على وقف أو تقليص الاستثمارات النفطية إلى حدها الأدنى، وضغطت على شركاتها الكبرى للعمل ضمن هذا التوجه والاعتماد أساساً على تنمية مصادر الطاقة البديلة، مما خلق فجوةً بين العرض والطلب لأسباب فنية.

فتقليص الاستثمارات في قطاع الهيدروكربون لم يقابله تعويض مماثل لمصادر الطاقة المتجددة، لأسباب تكنولوجية وفنية ومالية لا يمكن تخطيها بسهولة، وهي بحاجة إلى الكثير من الجهد والوقت والتمويل.
وفي الآونة الأخيرة حدث نوع من التقارب بين هذين التوجهين بعد تغير ملحوظ في قناعة وسياسات الدول المستهلكة، وبالأخص بعد أن تجاوزت شركات النفط الكبرى هذه الرغبات وأعلنت عن استئناف استثماراتها في قطاع النفط والغاز، لقناعتها بتنامي الطلب خلال العقدين القادمين، لتتبعها حكوماتها فيما بعد، وذلك بإعلان النرويج نيتَها تخصيصَ استثمارات جديدة بقيمة 3.8 مليار دولار لتطوير حقول بحر الشمال، وكذلك إعلان المملكة المتحدة إعادةَ تمويل التنقيب وموافقتها على تطوير وإنتاج حقل «روزبنك» باسكتلندا.
ويتوقع أن ينعكس هذا الانسجام بحده الأدنى على تفادي أزمات جديدة في قطاع الطاقة وأن يؤدي إلى استقرار الأسعار عند معدلات مناسبة للمنتجين والمستهلكين، مع وجود «أوبك+» كلاعب مهم لتوازن الأسواق والحفاظ على استقرارها، حيث أشار تقرير حديث لمنظمة «أوبك» حول «آفاق النفط العالمية 2045» إلى أن القطاع بحاجة لاستثمارات بقيمة 14 تريليون دولار حتى عام 2045 أو بمبلغ 610 مليارات دولار سنوياً، متوقِّعةً ارتفاعَ الطلب على النفط من 100 مليون برميل يومياً في الوقت الحالي إلى 116 مليون برميل يومياً عام 2045، حيث يتوقع أن تأتي معظم الزيادة من دول مجموعة «أوبك».
وبمثل هذا التوجه وتلك القناعة من الجانبين، فإن ذلك سيجد له انعكاساتٍ على اقتصادات هذه البلدان من جهة وعلى الاقتصاد العالمي ككل، فالدول المنتجة للنفط ستضمن على مدى العقدين القادمين مستويات عالية من الإنتاج مصحوبةً بأسعار وعائدات عادلة، مما سيتيح لها فرصاً تنمويةً عليها استغلالها لإحداث المزيد من التنوع الاقتصادي وتخفيض مساهمة القطاع النفطي إلى أقل من 20% من ناتجها المحلي الإجمالي، وهي فرصة ربما لن تتكرر بعد عام 2045.
وفي ما يتعلق بالبلدان المستهلكة، فإن تطوير حقولها المنتجة وإمكانية اكتشاف حقول أخرى ستوفر لها مصادر تمويل إضافية وستقلل من وارداتها من الطاقة، مما سيدعم ميزانها التجاري، مع العلم بأنها تفرض ضريبة تتراوح بين 80 و100 في المئة على وارداتها من النفط، مما يعني أنها تحصل على عائدات أكبر من البلدان المنتجة ذاتها، وذلك فضلاً عن الضرائب العالية التي تفرضها على شركات النفط والغاز لديها، والتي تدير مئات الحقول وعمليات التنقيب والإنتاج في الكثير من دول العالم.
وفي نفس الوقت، فإن ذلك لن يضر بالتوجهات الرامية إلى تطوير مصادر الطاقة البديلة، وهو توجه لا غنى عنه، فسير هذين التوجهين بصورة متوازية مثلما تدعو دول مجلس التعاون ومجموعة «أوبك+»، والذي أثبتت التطورات صحته، سيجنّب العالمَ أزماتِ طاقة جديدة من شأنها أن تلحق أضراراً بالاقتصاد العالمي وتؤدي إلى مستويات تضخم عالية، في الوقت الذي ستسير فيه عملية الاستبدال بصورة تدريجية ومدروسة لإحلال مصادر الطاقة المتجددة والنظيفة وتقليل الانبعاثات الكربونية المضرة للبيئة ليشكل ذلك نجاحاً للجهود العالمية المشتركة.

*خبير ومستشار اقتصادي

 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد