لا يحتاج المرء لأن يكون خبيراً في شؤون الإدارة ليجيب عن سؤال مثل هذا: «متى نعدّ المدير ناجحاً ومتى نعدّه غير ناجح؟»، فكل من ولجوا سوق العمل، عمالاً أو موظفين في القطاعين الحكومي والخاص، اختبروا العلاقة مع مديريهم المباشرين، وكلما طالت مدة خدمة الموظف زاد احتمال أن يمرّ عليه أكثر من مدير، فما أكثر ما يتغير المديرون، ويحل محلهم مديرون جدد، إما لترقية السابقين لمنصب أعلى أو إعفائهم من مهامهم لسبب أو آخر أو تقاعدهم، أو انتقالهم إلى العمل في مؤسسات أخرى، وحكماً من هذه التجارب بإمكاننا أن نقارن بين مدير وآخر، بين المدير الناجح وغير الناجح بعين مرؤوسيه.
من الممكن أن يثار تحفظ على هذا القول، لأن آراء الناس لا تتطابق، بما في ذلك آراؤهم في مديريهم، فقد يجد البعض أن المدير المعني ناجح وماهر، فيما لا يراه البعض الآخر، في مكان العمل نفسه، كذلك، وربما يلعب دوراً في اختلاف التقييم تفاوت تعامل المدير مع من يرأسهم، فقد ينعكس تقييمه الإيجابي لموظف بعينه على طريقة معاملته له، فيكون معه ودوداً، وقد يمنحه الترقيات، فيما قد يحدث العكس، حيث يتسم تعامله بالشدّة مع موظف آخر لا يراه كفؤاً، ولا يؤدي مهامه بالصورة المنشودة، وبصرف النظر عن مدى صحة تقييم المدير، فإن تعامله المختلف مع مرؤوسيه يؤدي إلى اختلاف نظرتهم نحوه.
تتحدث قصة للكاتب فيودور أبراموف عنوانها «وصية الأب» عن نجّار يعد الأفضل بين زملائه في المعمل الذي يعمل فيه، فكان عمله، حسب وصف الكاتب، «متين، نظيف، جميل، لا يمكنك أن ترفع نظرك عن مصنوعاته»، التي كانت تحظى بإقبال المشترين عليها، واستمر الوضع فترة غير قصيرة، حتى عُيّن مدير جديد للمعمل، كان أول ما قام به توجيه إنذار إلى ذلك النجار بحجة عدم تنفيذه الخطة بكاملها، فما كان من النجار إلا أن قدّم طلباً بإحالته على التقاعد.
أدى ذلك إلى حدوث ما يشبه التمرد في المعمل، حيث أخذ زملاؤه يرجونه، محاولين إقناعه بالبقاء، وعدم الاكتراث بإنذار المدير الجديد: «لا تكن مغفلاً، فمن يترك عمله قبل بلوغه سن التقاعد؟»، الذي لم يكن قد بقي عليه الكثير، على أي حال، لكن لا أحد استطاع حمل النجار الغاضب على العودة عن موقفه، الذي ظلّ عليه «ثابتاً، لا يلين»، وكان رده عليهم واحداً، كأنه يومئ إلى جدلية الكمّ والكيف: «أنا لا أستطيع العمل هكذا، أبي كان يقول لي: لا تقل كم عملت، بل كيف عملت، وأنا اتبعت وصيته طوال حياتي».