: آخر تحديث

أجواء فوضى دولية وإقليمية

10
8
12
مواضيع ذات صلة

أخشى أنك إن اتجهت شرقاً أو ذهبت غرباً أو بقيت في إقليم يقع بين هذا وذاك فسوف تشعر وكأنك في مكان حاضره مهدد بموجات فساد لعين وهجمات على الحقوق وقيود على الحريات بلا حدود. أما مستقبله فواقع في مهب أعاصير لا تهدأ وحرائق لا ترحم.

تلقيت الفقرة السابقة ضمن رسالة من صديق يعيش في الخارج. أشهد له أنه في كل رسائله الإعلامية ومقالاته الأكاديمية يلتزم الدقة والموضوعية.

قرأت رسالته مرات قبل أن أرد عليها. خيل لي وأنا أقرأها أنه كمن رأى رجلاً دائب التنقل بين دولة وأخرى يصف ما يراه. وليس كل ما رآه كان على ما يرام. لم تفلت من تفاصيل الهموم في رسالته دولة صغيرة أو كبيرة. يمشي مخلفاً في ركابه عالم يتهاوى ومصائب تتوالى.

مرشح رئاسة جمهورية في دولة لاتينية تقتله رصاصات من مجهول. عصابات تتجمع في دولة لاتينية أخرى وتحتل أراضي شاسعة وتقيم حواجز فشلت دبابات جيش الحكومة في إزالتها. ثلاثة أجيال من شعب كوبا ترث الحصار الأمريكي ولا وعد بقرب نهايته. شعب فنزويلا يعاني قسوة الفقر والمرض والاستبداد في ظل نظام عقوبات تفرضه الدولة الأعظم عليها كما تفرضه على دول أخرى عديدة عصت أو أخطأت أو حتى ترددت.

في أقصى الشمال تواجه كندا أشد حريق غابات عرفته في تاريخها عبأت لإخماده قواتها المسلحة.

إلى الجنوب من كولومبيا البريطانية تحترق غابات في ولاية واشنطن، أما أبشع الحرائق فمشتعلة في جنوب كاليفورنيا. الخسائر باهظة في وقت زادت وتعالت أصوات الاحتجاج على ما يذهب إلى أوكرانيا من أموال وفوائض سلاح وذخائر.

هناك في الشرق الأقصى عادت اليابان لتتسلح بتشجيع من أمريكا وكان أول ضحايا هذا البرنامج رئيس وزرائها الذي قتلته رصاصة من ناشط ينتمي لتيار مناهض للتسلح. ثم كانت الخطوة التالية وهي إقامة حلف عسكري ثلاثي يضم كوريا الجنوبية واليابان والولايات المتحدة، الهدف حلف على نمط حلف الأطلسي لغرض الإحاطة بالصين تمهيداً لحرب باردة ثانية.

هنا في إفريقيا يتعذر تبسيط العرض. نحن هنا أمام محاولة إعادة السباق الاستعماري الغربي على إفريقيا. تحدث الإعادة ولكن في مواجهة مقاومة من جيوش أهلتها ودربتها القوى الأوروبية التي هيمنت على القارة. عبرت الجيوش عن رأيها في عودة الاستعمار بسلسلة من الانقلابات العسكرية. التعبير منقول عن سلسلة الانقلابات التي وقعت في أمريكا اللاتينية أكثرها بإرادة المهيمن الأمريكي وبعضها ضده. تحدث الآن في إفريقيا في حضور قوي من ميليشيا روسية يقودها فاغنر بتكليف جديد من الرئيس بوتين. تحدث كذلك في وجود أمريكا، القوة التي لم تكن مهتمة بإفريقيا في ذلك الحين، أقصد في نهاية القرن التاسع عشر. وهي الآن مهتمة ولن تدع الأوروبيين ينفردون بالقارة كما فعلوا من قبل.

من إفريقيا والشرق الأوسط وغيرهما نزوح غير مسبوق من دول تسعى للانضمام إلى الدول الخمس المؤسسة لمجموعة بريكس. أقارن بين حماسة هذه الدول الآن والفتور الذي قوبل به عرض الانضمام عند التأسيس قبل حوالي عشرين عاماً. تكشف المقارنة عن أمر واحد على الأقل هو الانحدار الذي تدنت إليه مكانة الغرب خلال العشرين عاماً وصعود مشاعر الاحتجاج ضده في معظم عواصم آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية.

هيمنت أمريكا وفي ظل هيمنتها تضررت دول وتدهورت أحوال أمم وتفرقت شعوب وفرضت على الشرق الأوسط وربما على العالم بأسره دولة إسرائيل نموذجاً في الهيمنة الإقليمية والتفوق العنصري وسيادة الرجل الأبيض. لكن يجب الاعتراف بأنها، أقصد أمريكا، كانت سداً منيعاً ضد طوفان الفوضى الشاملة في العالم. هذا السد يتهاوى رغم محاولات أمريكية مستمرة ومتواصلة لتعزيز الهيمنة بإقامة شبكة أحلاف والعودة لتعزيز وزيادة عدد القواعد العسكرية الأمريكية في الخارج. تحاول تعبئة كل الطاقات والسياسات الكفيلة باستدراج الصين إلى مواجهة مبكرة قبل أن تكتمل مكونات القطبية لدى الصين ومكونات نشأة نظام دولي جديد.

مرحلة فاصلة تلك التي نعيشها، لن نفلت منها إلا إذا توصلت القوى الكبرى الراهنة والصاعدة إلى صيغة تفاهم ومؤسسات دولية وقواعد عمل تحل وبسرعة محل نظام الهيمنة الذي فرضته أمريكا وكاد يعلن عن فشله


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد