: آخر تحديث

«العنقودية» لأوكرانيا.. ثلاث ملاحظات

16
18
22
مواضيع ذات صلة

أثار القرار الأميركي الأخير بتزويد أوكرانيا بقنابل عنقودية جدلا واسعاً يمكن تقديم ثلاث ملاحظات أساسية بخصوصه، الأولى منها قانونية والثانية سياسية والثالثة عسكرية.

أما الملاحظة القانونية فمردها أن استخدام القنابل العنقودية مُحَرّم بموجب معاهدة تم التوصل لها في عام 2008، بعد جهود مضنية بدأت منذ ستينيات القرن الماضي وسبعينياته، بسبب اتضاح آثارها التدميرية القاتلة؛ فهي تطلِق عند انفجارها مجموعةً من الذخائر المتفجرة الأصغر حجماً، ولذا فإن احتمالات إصابتها للمدنيين أعلى بكثير، اللهم إلا إذا أُطْلِقَت على مناطق عسكرية حصراً. كما أن استخدامها يترك كميةً كبيرةً من المخلفات المتفجرة تودي عشوائياً بحياة عدد أكبر من المدنيين.

غير أن المعاهدات، كما هو معروف، لا تُلزم إلا مَن صدّق عليها، وفي حالة الحرب في أوكرانيا يُلاحظ أن أياً من أطرافها الأساسيين، وهم روسيا وأوكرانيا والولايات المتحدة، غير منضم لهذه الاتفاقية. ولذلك فإن تزويد الولايات المتحدة لأوكرانيا بالقنابل العنقودية لا يخرق التزاماتِها الدوليةَ، لكنه ينطوي على عمل كريه من وجهة نظر الأسرة الدولية، قد يفضي لاحقاً لتضاؤل التأييد السياسي لدعم أوكرانيا.

أما الملاحظة الثانية فتنطلق من أن التحالف الغربي لا يتبنى سياسةً موحدةً تجاه حظر القنابل العنقودية، فأقرب حلفاء الولايات المتحدة، مثل بريطانيا وألمانيا، يختلف معها في هذا الصدد، فيما تعرضت الحكومة الفرنسية التي وافقت على القرار الأميركي لانتقادات داخلية لاذعة بسبب هذه الموافقة، وفي حدود علمي فإن هذه هي المرة الأولى التي يحدث فيها مثل هذا الاختلاف في السياسة بين الولايات المتحدة وحلفائها فيما يتعلق بدعم أوكرانيا.
وقد يُعزز هذا الاختلافُ معارضةَ قطاعات من الرأي العام الأوروبي لانصياع السياسات الأوروبية للسياسة الأميركية تجاه الحرب في أوكرانيا. وتتصل الملاحظة الثالثة والأخيرة بالمسار العسكري للحرب، وهي بدورها تنطوي على عدد من الملاحظات الفرعية؛ أولاها أن القرار الأميركي بتزويد أوكرانيا بقنابل عنقودية يمثل حلقةً في سلسلة التصعيد الذي تلجأ إليه الولايات المتحدة سعياً إلى كسر الإرادة الروسية، بل قد يكون أخطر الحلقات حتى الآن بسبب الطابع الخاص لهذا النوع من الذخائر الحربية، والذي أفضى للتوصل إلى معاهدة حظرها على نحو ما سبق بيانه.

ويمكن اعتبار التصعيد بمفهوم المخالفة دليلا على عدم نجاح خطوات التصعيد السابقة في كسر إرادة الخصم. وقد نذكر التصريحات المتكررة لمصادر التحالف الغربي كلما كانت بصدد اتخاذ خطوة تصعيدية، وكان مفادها دائماً أن هذه الخطوة سيكون لها أثر نوعي على سير القتال، كما حدث مثلا عند تزويد أوكرانيا بأحدث المدرعات الأميركية والألمانية والبريطانية.

أما الملاحظة الفرعية الثانية فهي أن توقيت اتخاذ القرار يتزامن مع ما سُمي بالهجوم الأوكراني المضاد الذي يُفترض أن هدفه تحرير الأراضي الأوكرانية من القبضة الروسية، والذي لم يحقق أي اختراق استراتيجي حتى الآن، ولذا فمن المنطقي اعتبار خطوة التصعيد الأخيرة دليلا إضافياً على تعثر هذا الهجوم حتى الآن. وأخيراً تكتسب هذه الخطوة خطورةً خاصة لأن روسيا بدورها غير منضمة لمعاهدة حظر القنابل العنقودية، ولذا فمن البديهي أن ترد بالمثل حال استخدام القنابل العنقودية ضدها، ليبقى صوت السلام غائباً في هذه المحنة.
*أستاذ العلوم السياسية -جامعة القاهرة


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد