يبدو أن منطقة الخليج لم تعد خياراً تتأرجح عليه المصالح السياسية والاقتصادية للدول الكبرى، بل ضرورة تلزم هذه الدول بالتحالف مع دول المنطقة كشريك استراتيجي ذي ثقل سياسي كبير وواقع اقتصادي لا يمكن تجاهله.
المملكة المتحدة اليوم تراهن على متانة علاقاتها مع منطقة الخليج العربي، ما يكفل تعزيز فرص الشراكات والروابط الاقتصادية والتجارية بينها وبين دول المنطقة، والتي بدورها تعد داعماً مهماً للاقتصاد البريطاني، لاسيما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والمآلات المصاحبة لمرحلة ما بعد بريكست، وتزايد حاجة المملكة المتحدة لتوفير بدائل آمنة لاقتصادها المتراجع، إثر خروجها وتدهور الأوضاع الاقتصادية في أعقاب الحرب الروسية الأوكرانية واصطدامها بواقع جيوسياسي متقلب وتهديدات أمنية واقتصادية متفاقمة، ولا شك أن منطقة الخليج بمثابة الملاذ الأكفأ على كافة المستويات.
يتحول العالم اليوم نحو منطقة آسيا تبعاً لتحول مركز الثقل الجيوسياسي والاقتصادي شرقاً، وبريطانيا ليست استثناء من هذه المنظومة العالمية التي تجتهد في كسب معززات وجودها كدولة عالمية وقوة عظمى متفردة في النظام الدولي بحسب خطابات حكوماتها المتتالية، والتحول التجاري نحو منطقة الخليج هو تحول ذكي لما تتميز به المنطقة من استقرار سياسي واقتصادي واحتكامها على مخزون عالٍ من النفط والطاقة، إضافةً إلى ما تحظى به منطقة الخليج اليوم من صعود نفوذها الإقليمي وتنامي دورها الاستراتيجي في دعم الاستقرار وحل النزاعات وإحلال السلام، وجميعها أسباب تسهم في تعويض الخسائر التجارية المتراكمة على بريطانيا بعد «بريكست» لتدخل في مرحلة واعدة في تجارة حرة وآمنة مع دول مجلس التعاون الخليجي، وبناء شراكات طاقة محدثة ومشاريع الطاقة المتجددة مع السعودية والإمارات وقطر بتبادل تجاري متوازن ويحقق رؤية وأهداف جميع الأطراف.
يواجه الاقتصاد البريطاني عجزاً تجارياً متنامياً، وتمثل وطأة الأزمة الاقتصادية أعلى معدلاتها بناتج محلي هو الأسوأ منذ الخروج من الاتحاد الأوروبي بنسبة 4%، مما كان سيبلغه لو بقيت ضمن «بريكست»، فالقدرة الشرائية قد تراجعت بنسب كبيرة والسلع قد ارتفعت بما يتجاوز 6% مع نقص في القوى العاملة وهبوط مستوى الاستثمارات وتباطؤ في الإنتاجية العامة للبلاد، هذا فضلاً عن التحديات والتهديدات التي تواجهها من قبيل تنامي ظواهر الهجرة غير الشرعية، والاتجار بالبشر، والإرهاب، كل هذه الأزمات يقابلها فرص استثمارية كبرى في منطقة الخليج التي تواجه انفتاحاً تجارياً واستقراراً اقتصادياً ضامناً للاستثمار والتبادل التجاري بكافة أشكاله، وهو الاقتصاد القوي الذي لم يتأثر كثيراً خلال الأعوام السابقة جراء الأزمة العالمية التي خلفتها جائحة كورونا، ولم يكن خاضعاً لأي متغيرات على الساحة الإقليمية كالحرب الروسية الأوكرانية.
وبما أن بريطانيا تحاول اليوم بناء علاقات إيجابية مرنة مع كتلة الاتحاد الأوروبي فإنها أيضاً تسعى اليوم لبناء علاقات متجددة ونافعة على المدى البعيد مع قوى إقليمية أكثر ضماناً وانفراجاً لأزماتها المتراكمة، ومنذ الانتهاء من مفاوضات يونيو 2022 التي انطلقت بشكل رسمي بين بريطانيا ودول مجلس التعاون الخليجي بشأن التوصل لاتفاق تجارة حرة، فإن حجم التبادل التجاري -اليوم- بين المملكة المتحدة ودول مجلس التعاون يتجاوز 60 مليار جنيه إسترليني، مع توقعات بارتفاع الرقم إلى تريليون جنيه بحلول 2050.
*كاتبة سعودية
بريطانيا.. والخليج العربي
مواضيع ذات صلة

