مؤخرًا يسر لي المولى زيارة مدينة جدة الجميلة، وقضيت خمسة أيام واكبت فيها تطورات القمة العربية في دورتها الثانية والثلاثين، وزرت بعض الأماكن التي سمح الوقت بأن أعود إليها بعد غياب سنين. الجديد في جدة لمَن يعرفها، ولمَن لا يعرفها أنها تولد من جديد؛ حيث ذهب القديم والعشوائي ببعض ألقه وذكرياته الحميمة وجدة تستعد للولادة من جديد، مدينة عصرية حضارية فخمة ولائقة بأن تكون بوابة هذه البلاد المباركة إلى الحرمين الشريفين، وجديرة بأن تكون مدينة عالمية تتوافر فيها الخدمات والتسهيلات التي تتوافر في أرقى وأغنى مدن العالم الحديثة. على الطبيعة وبالسيارة تبيّن لي أن هناك عددا كبيرا من الأحياء القديمة قد أزيل بشكل كامل، ومن الأرض لا تكون الصورة دائما كاملة أو تامة، لكن من السماء وكما تابعت عند المغادرة من مطار الملك عبدالعزيز الدولي الجديد هذه الدرة المتقدة في مدينة جدة لاحظت بوضوح المساحات الشاسعة التي أزيل ما كان عليها من بنيان. ومن هاتين الصورتين أكاد أجزم بأننا على موعد مع جدة جديدة، ومختلفة هي اليوم ربما في المخططات والرسوم الهندسية وغدًا قد نشهد انطلاقة البناء والتجديد بما يليق بالمستقبل الزاهر الذي ترسمه قيادة هذه البلاد المباركة للإنسان وللمدن وللخدمات والمرافق. في منطقة سكنية ليست بالكبيرة عشت فيها فيما مضى سنوات، وجدت أن البناية التي كنت أسكنها لا تزال صامدة وبعض المرافق المهمة المحيطة بها مثل كوبري جديد للمشاة ومدرسة ثانوية مشهورة للبنين في جدة، فيما عدا ذلك كان كل شيء تقريبا في الاتجاهات الثلاثة وعلى مسافة بعض الكيلو مترات أرضا فضاء، تنتظر همم أهل العزيمة والبناء وتنتظر المشاريع الجبارة التي ستخلق لجدة ولكل من يحب هذه المدينة القريبة إلى القلوب مستقبلا ملؤه التطور والعمران والحداثة. من واجهات جدة الحالية وربما المستقبلية منطقة الكورنيش التي أصبحت عامرة بأماكن الترفيه والفنادق الراقية وامتدت مساحة هذا المرفق كيلو مترات جديدة، صممت بطرقها ومرافقها الترفيهية، والسكنية، والفندقية بطريقة تتناغم مع روح العصر والتطور. الذي يحدث في مدينة جدة أعادني للسؤال: هل المدن مثل باقي الأشياء تحتاج للتطوير وتجديد البناء وتجديد حتى ذاكرة الناس حوله. لم تصدمني إجابتي لنفسي؛ حيث إن المرء مجبول على التعايش مع كل المتغيرات في الحياة، هذا أولا، وثانيا لأن التجديد، والتطوير والتحديث سُنَّة كونية قد تقلق البعض، لكن الجميل أن هذا القلق من النوع المؤقت الذي تزيله خطوات الحداثة.

