: آخر تحديث

علامات استفهام حول حكومة ماليزيا الجديدة

38
40
36
مواضيع ذات صلة

استفاق الماليزيون مؤخرا على خبر تشكيل حكومتهم الجديدة برئاسة السياسي المخضرم أنور إبراهيم، ليجدوا أنفسهم أمام مفاجآت جديدة بعد مفاجأة نتيجة الانتخابات التشريعية الأخيرة التي أسفرت عن برلمان معلق ومفاجأة تكليف إبراهيم بتشكيل الحكومة الجديدة... فما هي هذه المفاجآت الجديدة؟ 

لقد توقع الكثيرون أن ينفذ إبراهيم وعوده التي أطلقها في أثناء حملته الانتخابية وخلال مؤتمراته الصحافية، كي يظهر أمام الأمة بمنظر القائد المختلف عن كل أسلافه، فإذا به يخالف كل التوقعات. وآية ذلك أن إبراهيم، الذي وعد بوضع حد للفساد وإساءة استخدام السلطة وكرر معارضته لفكرة أن يتولى رئيس الحكومة حقيبة المالية؛ لأن في ذلك مفسدة بحسب قوله في إشارة ضمنية إلى قضية رئيس الحكومة الأسبق نجيب رزاق المحكوم عليه بالسجن والذي استغل الجمع بين المنصبين في السرقة والإثراء غير المشروع، لم يلتزم بكلامه فاحتفظ بحقيبة المال المهمة لنفسه. والمعروف أن إبراهيم سبق أن تولى حقيبة المال في حكومة مهاتير محمد الأولى، وتحديدا في الفترة من 1991 إلى 1998، أي حينما كانت ماليزيا نمرا آسيويا يتمتع بنمو سريع ملفت للنظر، قبل أن يفقد الحقيبة على خلفية نزاعه مع مهاتير حول كيفية التعامل مع الأزمة المالية الآسيوية في 1997/‏1998. وهنا قد نجد للرجل مبررا مقنعا لجهة إصراره على استعادة حقيبة المال بعد 25 سنة من خسارته لها واتهامه بالفشل في إدارتها. وهذا المبرر ليس سوى رغبته في أن يتولى شخصيا عملية معالجة التضخم والركود الاقتصادي وتباطئ النمو وإعادة توجيه المال العام نحو الفئات الأقل دخلا من خلال التحكم في الدعم الرسمي للسلع والخدمات.

ولئن كانت هذه هي المفاجأة الأولى في التشكيلة الوزارية الجديدة، فإن المفاجأة الأخرى أثارت استغراب قطاع عريض من أنصاره بصورة أوضح، بل شكلت صدمة للذين صوتوا لأجندته الداعية للحكم الرشيد ومكافحة الفساد. ونعني بذلك اختياره لأحمد زاهد حميدي زعيم «المنظمة الوطنية المتحدة للملايو UMNO» كنائب لرئيس الوزراء. ومبعث الاستغراب هنا هو أن هذا الأخير تطارده جملة من قضايا الفساد ذات الصلة بفضيحة نجيب رزاق، حيث إنه شغل منصب نائب رئيس الحكومة من 2005 إلى 2018 في ظل إدارة رزاق المليئة بالفضائح، الأمر الذي أثار تساؤلات حول جدية إبراهيم في التصدي للفساد والساسة الفاسدين. فما الذي دفع إبراهيم، يا ترى، لهذا الاختيار السيئ وهو في بداية مشوار قيادته لماليزيا؟

يمكن القول إن إبراهيم اضطر إلى توزير حميدي لأكثر من سبب، على الرغم من معرفته بفساده وبحقيقة ضعف تمثيله البرلماني (جاء حزبه ثالثا في الانتخابات الأخيرة بحصوله على 30 مقعدا من مجموع مقاعد البرلمان البالغ عددها 222 مقعدا). أول هذه الأسباب أن الأمر الملكي بتكليفه قيادة ماليزيا كان على أساس أن يشكل حكومة وحدة وطنية تضم مختلف أحزاب البلاد وأطيافها السياسية، وبالتالي لم يكن بالإمكان تجاهله كونه زعيم الحزب الأقدم والذي قاد ماليزيا منذ استقلالها وحتى عام 2018 دون انقطاع.

والسبب الآخر أن الائتلاف الذي يقوده إبراهيم تحت اسم «باكاتان هارابان» لا يستحوذ إلا على 82 مقعدا برلمانيا، أي أقل من العدد الذي يضمن له الأغلبية والحكم دون صداع بـ30 مقعدا، وهو ما دفعه لعقد صفقة مع حميدي الذي لم يتردد في دعمه دون شروط كسبا لصداقته وأملا في رد الجميل حينما تضيق عليه الدوائر. أما السبب الثالث فيمكن وضعه في إطار تبادل الدعم السياسي بين الرجلين. إذ لا يخفى أن إبراهيم استند على دعم حميدي القوي له في أثناء المشاورات التي أجراها العاهل الماليزي الملك عبدالله أحمد شاه لتشكيل الحكومة الجديدة بعيد ظهور انتخابات الشهر الماضي. فقد زكاه لدى الملك ليس حبا فيه، وإنما من أجل أن يرد له إبراهيم الجميل لاحقا فيتدخل لإنقاذه من تهم الفساد.

الأمر الآخر الذي ارتفعت معه حواجب الماليزيين دهشة واستغرابا هو أن إبراهيم لم يكتف بتعيين حميدي نائبا له، وإنما منحه فوق ذلك حقيبة التنمية الريفية، وهي لئن بدت حقيبة ثانوية، إلا أنها تعد حقيبة مهمة في ماليزيا لأن الممسك بها يستطيع من خلال ميزانيتها كسب ود الماليزيين الريفيين من ذوي العرقية الملايوية الذين يشكلون القاعدة الرئيسية لحزب حميدي (UMNO)، خصوصا وأن الحزب على موعد مع انتخابات صعبة لتجديد قيادته الداخلية في شهر مايو المقبل.

إلى ذلك، أصيب قطاع كبير من الماليزيين بالدهشة جراء قيام إبراهيم بمنح معظم الحقائب المهمة في حكومته إلى شخصيات تنتمي إلى (UMNO)، بل مقربة من رئيس الحكومة المعتقل نجيب رزاق مثل وزير الداخلية الجديد «سيف الدين ناسوتيون إسماعيل»، ناهيك عن شخصيات مقربة من حميدي مثل وزير الشؤون الاقتصادية الجديد «محمد رافيزي رملي»، ووزير الخارجية الجديد «زامبري عبدالقادر» علاوة على «محمد حسن» نائب حميدي في رئاسة (UMNO) الذي تولى وزارة الدفاع، ونائب حميدي الآخر «محمد خالد نور الدين» الذي حصل على حقيبة التعليم العالي، ووزير المالية السابق «تنكو ظفر العبدالعزيز» الذي منح حقيبة التجارة والصناعة الدولية.

يتفهم بعض الماليزيين أن زعيمهم الجديد قد دفع ثمنا سياسيا كبيرا لضمان أن يكون لدى ائتلافه الحاكم الأغلبية البرلمانية اللازمة للاستقرار السياسي، لكن البعض الآخر يرى في خطوته مجازفة باهظة الثمن قد تطيح به عاجلا أو آجلا.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد