: آخر تحديث

جردة آخر العام الثقافية

9
8
9
مواضيع ذات صلة

درجت الصحف العربية، وبمستوى أقل نسبياً الصحف الأجنبية، كل عام على نشر أهم وأبرز الأخبار والأحداث السياسية والاقتصادية والدولية والثقافية في الأيام الأخيرة من السنة الموشكة على الانتهاء، وبعض الصحف والمجلات أدخلت مادة جديدة على هذا التقليد السنوي وهو «الاستشراف»، ويتمثل في استطلاع آراء عدد من الكتّاب وأصحاب الاختصاص كل في حقله ومجاله حول توقعاتهم للأحداث في العام الجديد، وبالطبع، في ضوء معطيات أحداث العام الفارط بلغة أهلنا في المنطقة المغاربية العربية.

بعض الاستشرافات تقترب أحياناً من شغل العرّافين، لا بل يقال إن أحد الرؤساء في دولة أوروبية كان يحيط نفسه بعدد من هؤلاء العرّافين الذين يقولون له ما سوف يجري معه شخصياً ومهنياً في العام القادم، وعلى الرغم من خيبة هذه العرافة إلاّ أن هؤلاء الرؤساء يصرّون على هؤلاء «الاستشرافيين» الأشبه بمن يضرب في الرمل، في زمن الكمبيوتر والمعادلات الرياضية التي تجريها عقول الذكاء الاصطناعي العابر للقارّات.

ثقافياً تبدو جردات آخر الأعوام في بلادنا العربية متشابهة، فلا جديد إلاّ ما ندر من وقائع ثقافية تجري عادة في البلدان ذات الحراك النشري والأدبي والإبداعي والفني وهي بلدان قليلة عربياً وعالمياً، وسوف يكون الحدث الأوسع انتشاراً على الصعيد الإعلامي العالمي هو جائزة نوبل للأدب التي يسبقها عادة نوع آخر من «العرافة» المتفائلة أحياناً عندما يتوقع هؤلاء العرّافون الثقافيون أن الجائزة ستذهب إلى كاتب عربي ودائماً هو «أدونيس»، وفي كل مرة يُعلن عن نوبل لا تذهب الجائزة إلى صاحب «أغاني مهيار الدمشقي» ويبدو الرجل أن لا شأن له بالجائزة، كما يقول لا من قريب ولا من بعيد، وأنّها لا تهمّه وليس منشغلاً بها، غير أن هناك من يقول إن هذا الكلام لا يأتي إلاّ من باب المكابرة، فمن هو هذا الكاتب الذي يجلس على بعد مقعد أو مقعدين فقط من الجائزة ولا يهتم بها؟؟ إلاّ إذا كان يائساً أصلاً من الحصول على ثروة الجائزة. الثروة فقط وليس الشهرة.

.. ونحن كعرب نعتز بالطبع بأن تذهب نوبل الأدبية إلى شاعر أو روائي عربي بعد نجيب محفوظ، ولدينا في الوطن العربي من يستحقها، ولكن، حسابات الحقل أحياناً بل كثيراً لا تطابق حسابات البيدر.

ولكن، ما الحدث الثقافي العربي الغائب دائماً في جردات نهاية الأعوام؟؟.. أليس هو الحوار؟.. أليست القضايا الثقافية الكبرى وما كان يُسَمّى «المعارك الأدبية»، وصراع التيارات الثقافية، والسجالات النقدية الفكرية، واصطفافات الشرق والغرب في الثقافة العربية، وحتى السرقات الأدبية الكبرى، بل وحتى العداوات والخصومات والقطيعة بين كاتب وكاتب ثم المصالحة الكبرى بينهما.. أقول، أليست هذه كلها وغيرها أحداثاً ثقافية؟؟

نعم هي أحداث ثقافية بامتياز وفي مستوى وقع جائزة نوبل على العرب وعلى العالم، ولكن لا أحداث من هذا القبيل تحدث في ساحاتنا الثقافية العربية - بما يذكّر، مثلاً، بمعارك طه حسين وزكي مبارك في الخمسينات من القرن العشرين حيث القليل القليل من العرّافين.. الذين يكذبون دائماً حتى ولو صدقوا..
 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.